وفيق السامرائي

بعد غد يصادف مرور 20 عاما على تمردي على نظام صدام حسين وانتقالي «العلني» إلى صفوف المعارضة، وقد استغرقت رحلة مغادرتي منطقة سيطرة النظام 30 ساعة سيرا شاقا على الأقدام، كانت أعظم خطرا من مراحل مسؤوليات تئن من حملها الجبال.


وقدر لي وأنا في عز الشباب قبل 35 عاما أن أطلع على مراحل التخطيط العسكري للحرب مع إيران، لأراها الآن أحد أسوأ أشكال التخطيط الاستراتيجي، فقد كانت فكرة الحرب صبيانية مبنية على التخلف الفكري، ونابعة من التهور السياسي المفرط، والاستهتار بمصالح الشعوب ومصيرها. وكل ما نشاهده اليوم من دمار واهتزاز في أمن العالم من نتاج تلك المرحلة السيئة. وعندما أراجع مستوى التخطيط الذي بنيت بموجبه محاور الحرب، يظهر أمامي المستوى العلمي المتدني للقائد العام وفلسفة القيادة آنذاك، وليس العجب في هذا فحسب، بل في إصرار البعض على مستوى التخلف الذي يتغنون به!
وبعد غزو الكويت، وإصرار النظام على تخبطه، كان لا بد من التصعيد في سلسلة الإجراءات بحثا عن تخليص العراق مما ابتلي به. إلا أن المهمة كانت شاقة على كل الاتجاهات.. فأمن النظام قوي، وخصومه الخارجيون مشتتون ويصعب التعويل عليهم. ومع التهديد المستمر لوجودي من قبل النظام، كان قرار المغادرة حاسما وصحيحا، ولو عاد التاريخ بكل صعوباته وتعقيداته لما غيرت فكرتي وقراري.


20 عاما مليئة بالأحداث والمؤامرات الخارجية والداخلية، ومشحونة بالأحداث. ولولا ابتعادي النفسي عن الفخر الذاتي لفخرت بتمردي على النظام مثلما أفخر بموقفي المتصدي لـ«الدواعش» ولمن استهدف وحدة العراق من حملة هويته. فالفساد اليوم كان موجودا في وقت النظام السابق، لكنه محصور بعائلة صدام ومن معهم، والناس كانوا أدوات بيد متخلفين، ينقلونهم من حرب إلى أخرى، ويمنعون عنهم حتى مشاهدة القنوات الفضائية، ويعتبرون تطور الحياة منّة منهم، ومن يثبت أنه كان على علم بأن أحدا شتم الرئيس ولم يخبر السلطات يحكم عليه بالإعدام!
لقد أثبتت الأحداث أن الزج بالعراق في المعضلات الإقليمية - بما في ذلك العربية - كان خطأ فادحا، لأن العلاقات الإقليمية والعربية والدولية كانت مضطربة، ويفترض تبني سياسة وطنية صرفة، حتى إذا وصفت بالعزلة.. فالشعارات والخطب الرنانة تلهب مشاعر الناس، لكنها لا تمثل الطريق العقلاني المناسب صوب الأهداف. غير أن بعض السياسيين العراقيين الفاشلين لا يزالون يتصرفون بطرق متخلفة، ويحلم بعضهم بوضع لن يكون حظه أفضل من حطام ما كانوا يسمونه «البوابة الشرقية»، فهؤلاء لا يقلون جهلا عن الحاكمين قبل 3 عقود.


ومع صعوبات الحرب الحالية، ورغم حجم الدمار الذي أصاب العراق، وتخلف كثير من السياسيين، وتعدد وجوه التآمر، فلا شك في أن العراق سيعبر إلى مرحلة أفضل، بعد أن جرب العراقيون كل الشعارات وكل الخيارات، فالتحول في الأفكار تعرض لتباينات وانتقال من جبهة إلى أخرى، ومهمة حمل السلاح والقتال والخضوع للإغواء والسير وراء تجار الحروب والشعارات، عوامل ستغير سريعا مجرى تفكير الناس نحو الخيارات السلمية والواقعية، وسيجد دعاة التصعيد أنفسهم في وضع لا يحسدون عليه، وسيبحث الشباب عما يؤمّن لهم الأمن وينقلهم من المعاناة اليومية إلى حياة تتلاءم وقدرة بلادهم النفطية، التي لم ينعموا بها كما نعم الآخرون بثرواتهم.


بعد أكثر من 11 عاما من سقوط النظام السابق، أصبح العراقيون أكثر وعيا، ومع تعرض الكتل السياسية للتصدع، وفي ضوء اضطراب العلاقات بين سياسيي الكتل، ومع ظهور صعوبة الدفاع المجزأ عن العراق، لم يعد تسويق المشاريع الفوضوية والتخيلية ممكنا، وهذا سيجعل السياسيين أكثر حرجا في مواقفهم وتصرفاتهم وشعاراتهم، وعليهم مواجهة حقيقة مكافحة الإرهاب وحاجة الناس الملحة إلى الخدمات، خصوصا مع تراجع أسعار النفط، وارتفاع موازنة الرواتب، وتراجع مخصصات الاستثمار التي تعرضت للنهب متعدد الأشكال أو سوء التصرف بسبب تدني الكفاءات في معظم المحافظات، وتخبط المركز تحت ضغط الخلافات وضعف قوانين مكافحة الفساد.


وسنلاحظ تنافسا خارجيا إقليميا ودوليا على الساحة العراقية، غير أن من السطحية توقع تغير المعادلات ومستويات التأثير، فقوى التأثير التي بنت وجودها بالفعل المباشر في أحداث العراق ستبقى فاعلة إلى حد كبير على المدى المتوسط. مع ذلك يبقى التنافس معقولا تحت سقف السيادة العراقية.