حمد عبدالله اللحيدان

&في الفترة السابقة مرت دول مجلس التعاون بشيء من الكدر بسبب بعض الخلافات بين الإخوة في وجهات النظر وخصوصاً في مفهوم القرار السيادي لكل منها، والذي يقتضي عدم التدخل في شؤون الغير وفي الشؤون الداخلية لكل منها.

وقد ادى ذلك الخلاف الى انفراج اسارير من يتربص بالمنطقة شراً ويسعى بكل ما اوتي من قوة لتعزيز معاول هدمه لتلك الكيانات من خلال التأليب وإثارة القلاقل من الداخل مستغلاً الارهاب ومفرداته والعمل على حصارها من الخارج ووضعها بين فكي كماشة؛ الا ان الشيطان يريد والله يفعل ما يريد حيث ألهم سبحانه وتعالى الملك عبدالله الحكمة والبصيرة في قوله وفعله فدعا الى قمة الرياض فاستجاب قادة مجلس التعاون لندائه بالارتقاء فوق تلك الخلافات العابرة واستشعار الخطر الذي يهدد الجميع فكان اتفاق الرياض الالحاقي الذي اعاد المياه الى مجاريها.

وذلك استشعاراً لقاعدة "الاتحاد قوة " وانطلاقاً من مبدأ أن التناغم والتنسيق وعدم الاختلاف والبعد عن الاجتهاد الفردي هو السبيل الى الوقوف بحزم تجاه سرطان الارهاب الذي يتم نشره في المنطقة بصورة متوالية هندسية لجعل الشق اكبر من الرقعة في غياب التنسيق ووجود الاختلاف خصوصاً ان دول الخليج هي المستهدف الاكبر في ذلك الحراك المشبوه.

نعم دول الخليج اليوم مستهدفة بصورة اكبر من ذي قبل ويدعم هذا الاستهداف ويسوغ له ما يلي :

- تباين وجهات النظر في السابق بين دول المجلس وتحول هذا التباين الى خلاف وتحول الخلاف الى الخروج على الاجماع ما خلق ثغرة تسهل مرور بعض الاجندات غير المرغوبة لبعض او كل اعضاء ذلك التجمع المبارك.

- دول الخليج تتمتع بموقع استراتيجي فريد وثروات متعددة يأتي في مقدمتها البترول والغاز المحركان الرئيسيان للحضارة المعاصرة على الرغم من الجهود المبذولة لتحييدهما من خلال العمل على تقديم مصادر الطاقة المتجددة وتقليل تكلفة استغلال الغاز والبترول الصخري كبدائل بالإضافة الى الجهود المبذولة لاستكشاف مزيد من مصادرهما في مختلف دول العالم .

- تمتع دول مجلس التعاون بمساحة جغرافية هائلة وعدد سكان متواضع مقارنة بتلك المساحة ناهيك عن تمتعها بموقع استراتيجي مميز من حيث وسطيتها بين قارات العالم ومن حيث قربها من المضايق الاستراتيجية المهمة التي يأتي في مقدمتها مضيق هرمز الذي يتحكم بإمدادات النفط والغاز المصدرين لمختلف دول العالم شرقه وغربه .

- اغلب دول مجلس التعاون دول صغيرة المساحة قليلة السكان ذات عمالة اجنبية كثيفة ما يجعل المتربص يعتقد ان كلا منها يعتبر لقمة سائغة يسهل عليه تهديدها وإثارة عدم الاستقرار فيها وهذا لا يواجه الا بالاتحاد لانه يشكل لكل منها عمقاً استراتيجياً يفشل خطط المتربصين وعملائهم.

- وجود عمالة أجنبية بنسب عالية ومتفاوتة قد تصل في بعض دول مجلس التعاون الى 30% على الاقل من عدد السكان الاصليين وتصل في البعض الاخر الى الضعف او ثلاثة اضعاف السكان الاصليين او اكثر، وهذا يعتبر خطراً محدقاً بدول المجلس، خصوصاً من قبل العمالة الذين تربطهم جذور انتماء بالدول الاخرى المهددة لاستقرار دول الخليج .

وهذا ربما يسهل وجود طابور خامس يخدم اجندات تلك الجهات او غيرها ناهيك عما يترتب على استقرار تلك العمالة في دول المجلس لفترات طويلة من حقوق مدنية وسياسية واجتماعية وتعليمية وصحية وحقها في التجنس وما يترتب عليها من مطالبات تدعم من قبل جهات خارجية.

- وجود بعض المشاكل الاقتصادية التي لا يخلو منها اي مجتمع من المجتمعات ولكنها هنا في دول مجلس التعاون تستعمل من قبل الاعداء مثل (دعاة الارهاب) كفتيل ووسيلة اقناع وذلك مثل البطالة وازمة السكن المصحوبين بمحدودية الدخل خصوصاً عند الضرب على وتر ان تلك الدول غنية وذات دخول عالية.

- وجود أجندة ايرانية علنية تتمثل في تصدير الثورة وتوسيع دائرة النفوذ الايراني ولعل خير مثال على ذلك التدخل الايراني بالشؤون الداخلية لكل من مملكة البحرين والسعودية بصورة مكشوفة من ناحية واحتلال الجزر الاماراتية من ناحية ثانية وبصورة كامنة بدول مجلس التعاون الاخرى من ناحية ثالثة.

- حركة التطوير والتحديث والتصنيع والاستثمار التي تسير على قدم وساق في دول مجلس التعاون وتحولاتها النوعية في مجالات عديدة يثير حفيظة من لا يحب ان يرى المنطقة تتطور ويرغب في بقائها متخلفة ويأتي في مقدمة هؤلاء كل من اسرائيل وايران ومن يدعم توجهاتهما ضد دول مجلس التعاون بصورة خاصة والدول العربية بصورة عامة .

- استمرار دول مجلس التعاون في الاعتماد على البترول كمصدر اول للدخل بحيث يصل في بعض منها الى (90%) من اجمالي الدخل القومي وهذا يعتبر نقطة ضعف تسهل على الاعداء مهمتهم حيث ان كل فعاليات تلك الدول ترتبك اذا انخفضت اسعار البترول الى مستويات متدنية مقارنة بالاسعار الحالية. خصوصاً في حالة عدم استقرار المنطقة او حدوث مواجهة من نوع ما لا قدر الله .

- وجود عجلة إعلامية مناوئة لدول مجلس التعاون تعمل على تشويه صورة تلك الدول من خلال تغطيات وتقارير مجحفة بعيدة كل البعد عن واقع الحال ويساعد على ذلك بعض الممارسات الفردية التي يتم تعميمها خصوصاً ما يتعلق بالفساد والمحسوبية وتعثر المشاريع.

ولهذا فإن دعوة الملك عبدالله الى الاتحاد قد حان وقت تنفيذها درءاً للخطر وتعزيزاً للقوة وزرعاً للهيبة وتمكيناً للتكامل ودحراً للأعداء وإخراساً للشامتين وهزيمة للمتربصين.

ولذلك فإن دول مجلس التعاون لا بد لها من الاتجاه الى تعميق لحمة التعاون والتحول الى الاتحاد الفدرالي على الاقل في ميادين الامن والدفاع والعلاقات الخارجية كمرحلة اولى يليها توحيد بقية مؤسسات الدول الاعضاء على مراحل وتعزيز ذلك بزيادة عدد السكان والعمل على تعدد مصادر الدخل وفتح فرص عمل جديدة والحد من العمالة الاجنبية وتدريب القوى العاملة الوطنية والقضاء على مشكلة الاسكان والحد من الفساد وتعثر المشاريع والعمل على التكامل الاقتصادي والتنسيق في كل ما يعود بالخير والأمن والأمان والاستقرار على دول المجلس.

تأبى الرماح اذا اجتمعن تكسراً

وإذا افترقن تكسرت آحادى

بارك الله في دول مجلس التعاون وقادتها وشعوبها وزادهم الله حكمة ووعيا وإدراكا لمتطلبات المرحلة وبعداً عن الاختلاف والشقاق والتنافس السلبي وذلك حتى لا يتفرقوا فتذهب ريحهم ويصبحوا طعماً للإرهاب وجزاريه.
&