حسن المصطفى

قمة الرياض، وما أنتجته من مصالحة خليجية، أعادت سفراء السعودية والإمارات والبحرين، إلى العاصمة القطرية الدوحة، هي خطوة في الاتجاه الصحيح، نحو تصحيح في العلاقات بين الأشقاء، ومحاولة لتنظيم التباينات في وجهات النظر، بشكل يضمن الاختلاف "المحمود"، بعيدا عن التصادم أو التدخل في الشؤون الداخلية، وإثارة المشكلات.

الجهود التي بذلها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، كان لها أثر مهم في تقريب وجهات النظر، وساندها الدور الإيجابي لأمير الكويت الشيخ صباح الأحمد. ولك أن تشهد الزيارات المكوكية المتبادلة، والحركة الدئوبة التي تمت خلال الأسابيع والأيام الماضية، لتقف على الصعوبات التي كانت تعوق دون الحل، وهو الحل الذي بني على تجاوز للمصلحة الفئوية الضيقة، لمصلحة عامة أوسع وأشمل.

منذ مارس الماضي، حين تم سحب السفراء من الدوحة، وحتى نوفمبر الجاري، حدثت الكثير من التغيرات المهمة، وكان للإعلام دور مؤثر فيها، حيث كان جزء من المشكلة في بعض المفاصل، وهو ما دفع الملك عبدالله بن عبدالعزيز إلى الطلب من الإعلام لأن يقوم ب"دور إيجابي"، طالبا من هذه الوسائل أن تعمل على "تحقيق الخير" وأيضا "دافعة للشر"، بهدف "دفع مسيرة العمل المشترك ليس لمصلحة شعوب دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية فحسب بل لمصلحة شعوب أمتنا العربية والإسلامية".

هذا التركيز على وسائل الإعلام، منبعه حالة "التشنج" التي سادت، سواء في الخطاب الإعلامي الفضائي، أو الصحف المكتوبة، وصولا إلى مواقع التواصل الاجتماعي، والتي كانت في الكثير مرآة لحال الاختلاف السياسي الذي كان قائما.

وإذا أمعن المرء النظر، كان واضحا أن التباين السياسي سينتهي في يوم ما، قريبا كان أو بعيدا، ما كان يتوجب على الكتاب والناشطين في مواقع التواصل الاجتماعي، أن يعالجوا الحدث برؤية وبصيرة، لا تؤثران في العلاقات الخليجية، ولا تعمقان الجراح في النسيج الاجتماعي المتداخل، خصوصا أن هنالك واقعا جيو سياسيا وحتمية جغرافية، لا يمكن تجاوزهما، ولا تغييرهما، ولا القفز عليهما!.

الكثيرون كانوا يتناولون الخلاف الخليجي بشكل شخصاني، وكأنه خلاف بين أفراد أو عائلات، وهي المقاربة التي جهدت في إذكاء النار، عوض القيام بدور "إطفاء الحرائق".

المتحمسون من قليلي الكياسة، يعيشون على الأزمات، على المعارك ذات الطابع الصغير الشخصاني، ويبنون رأسمالهم الرمزي من خلال جو الاستقطاب الحاد، لأنه في حال السلم لا مكان ولا أدوار لهم!. هؤلاء كان لهم أثر سلبي مجتمعيا، وخصوصا عبر التغريدات والهاشتاقات في "تويتر"، والذي أتخم بالشتائم والقدح والكلام القبيح، حيث القيح كان يطفح كجثة متفسخة من أفواه وأقلام الكثيرين.

إن استقرار دول الخليج هو بوابة أساسية للسلام في المنطقة، ومقدمة للعمل على إرساء منظومة تعاون وتكامل حقيقي، ترسخ مفاهيم الدولة المدنية، والتعددية، والمشاركة، واحترام "الإنسان" وجعله محور التنمية والاهتمام. وهذا التوافق الذي توج في "قمة الرياض"، يجب أن يصب في عدة اتجاهات، صوب: إيران، العراق، سورية، لبنان، ومصر. لأن استقرار هذه الدول، وبناء علاقات سليمة معها، وتعزيز التعاون والتفاهم بين مجلس التعاون وهذه الدول، سيساهم في إخراج سورية من أزمتها، وسيوحد الجهود في مكافحة "الإرهاب" ومحاصرة التطرف والخطاب الطائفي، وهو ما يقود للاستقرار الممهد للتنمية الحقيقية.

يجب أن نكون دعاة سلام، لا دعاة حرب، وعلى المثقفين والناشطين في وسائل الإعلام الاجتماعي أن يعملوا على بناء خطاب داعم للاستقرار، والكف عن إثارة الفتن البينية بين مكونات المجتمع الخليجي، الذي آن له أن يعيش آمنا مستقرا.
&