محمد الباهلي

الكثير من المؤرخين والباحثين الذين درسوا العقل الغربي، وحللوا تمثلاته للآخر، وجدوا أنه يستبطن حالة من القلق والخوف المستمر حيال هذا الآخر، لاسيما الآخر العربي والمسلم، وأن هذه الحالة تحولت مع مرور الزمن إلى «فوبيا» أو «خواف» شديد تجاه الآخر. ويكفي دلالة على ذلك قراءة ما ينشر في الصحف والمجلات الغربية، ومشاهدة الإنتاج التلفزيوني والسينمائي الغربي، والاطلاع على الكتب والمؤلفات الغربية حول العرب والإسلام.. لنجد ما يتضمنه ذلك الإنتاج من تشويه يصل إلى حدة القسوة. ولا جديد في هذه الظاهرة، فهي موجودة في العقل الغربي منذ قرون عديدة، لكن الجديد هو كونها أصبحت أكثر وضوحاً وتطرفاً وخطورة، لا سيما خلال العقود الثلاثة الأخيرة.

ولا شك أن التراكمات المزمنة لهذا القلق أو «الخواف» لها انعكاساتها السلبية المباشرة. ويتضح ذلك من الخطط والاستراتيجيات التي واجهتها الأمة العربية على امتداد تاريخها الطويل منذ أيام الرومان واليونان عندما قام الإسكندر المقدوني بغزو المنطقة، وحاول معرفة السبب، الذي جعل مصر في تلك الفترة تصل إلى ما وصلت إليه من حضارة وتقدم، فكانت خلاصة ما توصل إليه أن مصر لا تسقط ولا تستسلم لأي هزيمة من الأعداء، بل تعود في كل مرة أشد قوة وأكثر حيوية، وأن الأرض العربية تمثل ملتقى قارات العالم وحاجزاً مهماً بين القوتين الأعظم في تلك الفترة، أي الرومان والفرس، وأن شعوبها ترتبط بروابط اللغة والمصير المشترك.

ولعلها نفس الخلاصة التي توصل إليها نابليون في ختام حملته الشهيرة على المصر، والتي كانت المدخل لزرع كيان غريب في المنطقة، ألا وهو الكيان الإسرائيلي، بغية إضعاف العرب عسكرياً واقتصادياً وسياسياً وثقافياً، والعمل على خلق حالة من الفوضى وإيجاد بيئة للتناحرات الداخلية والإقليمية من شأنها تسهيل تقسيم المنطقة، وهذا ما حدث في العديد من المراحل التاريخية التي تعرضت خلالها الأمة العربية لمثل هذه الأخطار. وها هو التاريخ يكرر نفسه اليوم بصورة مماثلة تقريباً. فما يحدث في الواقع العربي حالياً شبيه بما حدث أيام الرومان واليونان؛ ذلك أن العقل الغربي المسكون بهاجس الخوف من الآخر، وتراكمات هذا الخوف المزمن، يمارس نفس السلوك حيال العرب رغم اختلاف الزمان والوسائل.

والأخطر في ما يحدث حالياً كونه يغذي ظاهرة الإرهاب في المنطقة بطرق متعددة ويستخدمها كفزاعة لتحقيق أغراضه التي تتخذ من الفكر المتطرف أساساً لتحركاته بالاستناد إلى طابور خامس يعمل على تمهيد الأرض العربية أمام مخططات الهيمنة والسيطرة.

صحيح أنه يوجد في الغرب عقلاء يدعون للتعايش الإنساني المشترك، لكن هناك أيضاً عقولاً لا تريد للعرب أن يصبحوا أمة على قدم المساواة مع باقي أمم العالم المتحضر. والمؤسف أن بعض الباحثين، والمحللين، يقف في تحليله حول ظاهرة الإرهاب والتطرف عند العامل الداخلي فقط، ويصور الأمر على أنه مشكلة داخلية ذاتية أحدثتها هذه الفئة أو تلك الطائفة، وينزع من تحليله جوهر القضية، ألا وهو دور العامل الخارجي في تغذية هذه الظاهرة الشاذة والمدمرة.
&