جاسر الجاسر

كان طبيعياً أن تواجه القائمة الإماراتية الأخيرة للتنظيمات الإرهابية سلسلة من الاعتراضات والتذمر والاستنكار، لأنها تجاوزت الإطار الظاهر الفج والتفتت إلى الداخل لتبحث في الجذر والمنشأ والأساس، ولتخترق التكوينات المسببة والمؤسسة للفعل الإرهابي الظاهر على السطح.

&

كل نشاط إرهابي هو حصيلة جهد من التربية والتوجيه، إلى أن تنضج ثمرته وتكتمل صناعته، فيتحول إلى السلاح فعلياً ويمارس نشاطه في التخريب والدمار واستهداف المجتمعات، وهو تالياً لا يمكن السيطرة عليه ومنع انتشاره، ما لم يتم القضاء أولاً على المحاضن التي نبت فيها وارتوى من خطها.

&

الغضب الذي انتاب الجماعات المدرجة في القائمة الإماراتية يعبر عن الخوف الذي يتهددها مستقبلاً، خشية أن تمتد الشرارة الإماراتية لتضم دولاً أخرى استدلالاً بما حدث ويحدث مع جماعة «الإخوان المسلمين» التي تتسع دائرة الحظر عليها حتى وصلت إلى القلعة الآمنة لندن، وبدأ التحقيق والتمحيص في نشاطاتها المختلفة.

&

القائمة الإماراتية حصار نوعي فريد لكل المؤسسات القائمة على التحريض وتنشئة الكوادر حتى إن لم تتمظهر بشكل إسلاموي كما هي حال منظمة «الكرامة» ذات الصبغة الحقوقية، وإن ارتكز دورها على مهاجمة دول الخليج والتحريض عليها ووسمها بالدكتاتورية والمستبدة عبر غلاف الدفاع عن حقوق الإنسان.

&

قائمة الإمارات أقرب إلى البحث العلمي، لأنها تعمقت في الجذور التي تهددها، لتكشف «D.N.A» الإرهاب وتلاحق كل التحولات الجينية الناشئة عنه والمرتبطة به، ما يؤدي إلى تنشيط الجهاز المناعي للدولة فلا يخترقها جرثوم مخادع حديث النشأة لم يدخل ذاكرة المنظومة المناعية بعد. هذا التحصين الاستباقي يشبه عملية التطعيم التي تنبه الجهاز المناعي من مرض جديد عليه وتغذيه بالبيانات اللازمة، ليبني شبكته الدفاعية ويتحرك لمهاجمته، باعتباره لا ينتمي للجسد ويشكل خطراً عليه، لذلك لا حاجة للمضادات الحيوية إلا إن تمكن الجرثوم من تجاوز الدفاعات الأساسية وبدأ في إنهاك الجسم، لترتفع قابليته للإصابة بجراثيم أخرى تتعاضد للفتك به.

&

صحة الجسد مرتبطة أساساً بالمناعة، التي تتمثل قدرتها في التعرف إلى الأشياء الدخيلة على الجسد والأجنبية عنه، لتقوم بتدميرها وتطهير الجسد منها، وهو ما قامت به الإمارات، إذ حصنت جهازها المناعي بتغذيته بكل خطر محتمل لينشئ الأجسام المضادة لها، قبل أن يتأخر الوقت فيصبح المضاد الحيوي خياراً قد ينجح في احتواء المرض، وقد يفشل لأن التركيبة الجديدة غامضة وغير داخلة في تركيبته الهجومية.

&

ما يرهق العالم هو أن «إيبولا» خارج كل التجهيزات الدفاعية فأصبحت ملاحقته أملاً غامضاً، بينما هو يفتك بضحاياه، وهو ما لم تنتظره الإمارات فاستبقت «إيبولا» الإرهاب، لأن البراعة ليست في معالجة المرض ومقاومته، بل في منع أساسه وكبت كل مسبباته تماماً، مثل كل الأمراض التي انقرضت بعد اكتشاف طرق التحصين منها، وليس عبر العلاج الذي يحاول الخلاص من الكارثة أو على الأقل تخفيف أضرارها.
&