سمير عطا الله

تبدو صالة الاستقبال في بعض مستشفيات لندن مثل ميدان ما في عاصمة عربية. ناس من كل الأعمار، ينتظرون أن ينادى عليهم لمقابلة طبيب من اختصاص معين. تقل نسبة الاكتظاظ قليلا في بعض مستشفيات ألمانيا. وتتحول إلى أفراد كثيرين من فئات معيّنة في مستشفيات أميركا. الشفاء التام والعافية للجميع.


كان هذا المشهد مقبولا قبل ثلاثين عاما. لم يكن قد تسنّى بعد للأجيال العربية الخارجة من اقتصادات ضعيفة أن تصل إلى الجامعات والكليات الطبيّة. وكان عدد كليات الطب في العالم العربي محدودا ومحصورا ضمن عواصم قليلة.
لكن الأعداد التي تراها في صالات الاستقبال تدلك على أن نفرا قليلا جدا من الشبّان العرب اختار دراسة الطب. شاقة وطويلة، والشبّان يريدون شهادة سريعة ووظيفة مدرّة. وهذه ليست ظاهرة عربيّة بل عالميّة. لقد تضاعف، على نحو مذهل، عدد حاملي شهادات التخصص المالي. إلاّ أن النسبة في العالم العربي مرضية. ونسبة الإحجام عن دراسة العلوم من طب وهندسة وفيزياء وغيرها، مثيرة للقلق. وما تصرفه بعض الدول على الطبابة في الخارج يشكل نسبة غير صحيّة إطلاقا من مداخيلها، مهما كبرت.


فالحاصل العام في نهاية المطاف مجتمعات خالية من صفة العلوم. بل دول لا يطمئن مواطنها إلى أن من حوله طبابة كافية. ويسافر المريض المتعب آلاف الأميال بحثا عن اختصاصي يُفترض أن يكون على مقربة منه. مقابل كل طبيب عربي يعمل في مستشفيات أوروبا، هناك عشرة آلاف مريض عربي على الأقل. والأكثرية الساحقة من الأطباء قادمون من بلدان اقتصادها شاف، مثل مصر ولبنان والعراق. وباستثناء السعودية لم يعرف عن نجاحات طبية في دول الخليج. أو في دول فقيرة كاليمن، حيث يُفترض أن المهن العلمية هي المخرج الوحيد.


طبعا بعض الدول الغنيّة قادرة على شراء أو اكتراء الكفاءات الطبية. وهذا حل جزئي وقصير الأمد. ويشبه إلى حد ما الاعتماد على جيش غريب أعطيته لباسا وطنيا.


لا نستطيع توجيه الاقتصاد كما في الأنظمة الشيوعية. والذي يجد أن من الأسهل عليه فتح مقهى نراجيل في «إدجوير رود»، لا تستطيع أن تقول له اترك هذه الكركرة وادخل كلية الطب.


لكن إقامة مجتمع يتمتع بكفاية علمية ليست عملا صعبا. تجربة الأردن والفلسطينيين في هذا المجال تُلفت النظر. وفي قطر عقود مع جامعات طبيّة ذات صيت عالمي، بدل التعاقد فقط مع مستشفيات أو أطباء من الخارج. مفرح أن تقرأ أن هناك نحو 200 ألف مبتعث سعودي في الخارج كل عام. وقد أذهلني خلال حضور الأمير سلمان لـ«قمة العشرين» القول إن هناك 8.500 طالب سعودي في أستراليا ونيوزيلندا. إن هذه الأعداد يمكن أن تقل كثيرا بإيجاد جيل مهم من الجامعات، وليس فقط من الجامعيين.