عبدالله بن بخيت

يمكن أن تكون قائمة الإرهاب التي أعلنتها دولة الإمارات العربية توطئة لعمل علمي وبحثي وإعلامي موسع. كشفت هذه القائمة النقص الظاهر في مراكز البحوث وتدني مصادر المعرفة والارتجال السائد في تبادل الرأي في الأوساط الإعلامية العربية. أبدى كثير من الكتاب والصحفيين والمعلقين السياسيين دهشتهم من كثرة المنظمات الإسلامية العاملة في الحقل السياسي.

بعضهم لم يصدق أننا نعيش وسط أكثر من ثمانين منظمة منتشرة على مستوى العالم. ولم نكن نتخيل أن المنظمات الكبرى كمنظمة الإخوان المسلمين متفرعة ومتشعبة ولها امتدادات تحت أستار مختلفة. مع اختفاء مراكز البحوث وغياب الجامعات سيعود الفضل في وصولنا إلى هذه المنظمات والتعرف المباشر عليها إلى تفاقم حالة داعش التنظيمية والثقافية والإجرامية. هل ننتظر دائما تفاقم الظواهر الخطيرة لتصل إلى مستوى داعش لكي نلتفت إلى مصادرها وأصولها ونبدأ المعركة معها.

قائمة الإرهاب الإماراتية يمكن أن تكون فرصة للباحثين والدارسين وأصحاب الرأي للبحث في الحقيقة الغائبة أو المغيبة. سبق أن تحدثت عن وظيفة الداعية التي طرأت على حياتنا في السنوات الثلاثين الأخيرة. تلك الظاهرة التي اخترعها أنور السادات لتمرير مشروع الصلح مع إسرائيل. كان مشروع كامب ديفيد في حاجة إلى قوة تنقل بؤرة الغضب الإسلامي والعربي عن إسرائيل إلى مكان آخر. كان العروبيون والناصريون والقوميون يسيطرون على المنابر وعلى وسائل الإعلام والأدب والثقافة.

كان الصراع مع إسرائيل جزءا جوهريا من ايدلوجية هذه التوجهات. كان من المستحيل في ضل تلك الأجواء طرح أي مشروع صلح مع إسرائيل أو حتى فتح باب الحوار معها. كان لابد من طريقة لخفض ذاك الاحتقان الموجه ضد الدولة العبرية. تنشيط مجموعة من أئمة المساجد في مصر للبدء في الهجوم على المناخ الثقافي والاجتماعي السائد في تلك الفترة. العمل على تحطيم الثقة في مثقفي تلك الفترة فتم العمل على نقل الصراع الدائر بين المثقفين العروبيين وإسرائيل إلى صراع بين المثقفين العروبيين والدعاة حول قضايا دينية صغيرة داخلية. صارت مادة الصراع وأساس الخلاف: هل العلمانية حلال أم حرام هل السينما حلال أم حرام هل الشعر الحديث حلال أم حرام هل كشف وجه المرأة حلال أم حرام. استطاع الدعاة سحب اهتمام العروبيين من النضال ضد إسرائيل إلى الدفاع عن بيتهم الأيدلوجي ووجودهم.

أصبح الفكر الحديث برمته زيغا وضلالا فكسب الدعاة قلوب البسطاء فدفعوا المعركة إلى أفاق ابعد وأبعد عن فلسطين. الشيشان والبوسنة والهرسك وأفغانستان والصومال. دفنت قضية فلسطين تحت القضايا التي راكمها الدعاة. هكذا فتحت مشاريع قضايا في كل مكان بما فيه أمريكا والصين والفلبين ونيجيريا الخ.. فأصبحت قضية فلسطين قضية الشعب الفلسطيني فقط. من يتذكر متى كانت أول أو آخر طلقة أطلقها ما عرف بالمجاهدين ضد إسرائيل.

استطاعت الحملة الدينية التي نظمها السادات تحت شعار دولة العلم والإيمان أن تزرع الفتنة ضد كل القوى التي تحارب إسرائيل. تحت دعوى أنهم علمانيون وكفرة وفاسدون واشتراكيون الخ. خلط الدعاة الأوراق بشدة. كانت السينما المصرية حينذاك حافلة بالانفتاح الاجتماعي كأن ترى القٌبَل وبعض المشاهد الفاضحة وغيرها وكانت الفترة أيضا تزخر بالأدب الفكري (الأدب الوجودي والاشتراكي والحداثة)..الخ، فانتهز طلائع الدعاة كعبدالحميد كشك الفرصة لتأليب الناس والتشكيك في كل من يحارب إسرائيل.

هكذا إذا لم يكن أمام السادات من فرصة لرفع الاحتقان والكراهية عن إسرائيل لتمرير مشروعه إلا بتحويل المعركة إلى معركة دينية داخلية على الفكر والثقافة والأدب ثم معركة دولية إسلامية جهادية ضد كل شيء عدا إسرائيل.
&