أحمد أميري

تبدو الإمارات كأنها معنية أكثر من غيرها بملاحقة دبابير الإرهاب، فعلى رغم أن دول المنطقة عموماً تخوض المعارك ضد العنف والتطرف، فمن الواضح أن دولة الإمارات تعمل بتصميم أكبر، الأمر الذي يثير تعجب بعض الفضوليين الذين لا يعرفون الإمارات جيداً.

وعلى رغم أن الإرهاب يحتفظ في خزانته بأردية متنوعة، فهناك الرداء السياسي، كما فعلت مثلاً منظمة «الألوية الحمراء» في إيطاليا، والرداء العنصري، كمنظمة «كو كلوكس كلان» الأميركية، فقد أصبح الإرهاب في العقود الأخيرة يتسربل بالرداء الديني، والإسلامي تحديداً، إذ كلما وُصف شخص بأنه إرهابي، تبادر إلى الذهن أنه مسلم، إلى أن يثبت غير ذلك.

ومن هذه الحيثية التي انتهى إليها الإرهاب - الابن الشرعي للتعصّب - لنذهب إلى التسامح، وقبول الآخر، والتعايش، وهي القيم التي صارت بدورها تُفهم في سياقاتها الدينية، فحين نقول التعايش، فيخطر ببالنا التعايش بين الأديان، بينما ابتعد في الأذهان التعايش ببعده العرقي مثلاً، ليكون السؤال هو: هل تملك الإمارات خياراً غير أن تخوض المعركة مع التطرف لتحمي شعبها والمقيمين على أرضها ونمط العيش فيها؟ ماذا تفعل الدولة التي تعطي النموذج الأفضل لحالة التسامح الديني، وقبول الآخر المختلف دينياً، والتعايش بين أتباع الأديان؟ دستور الإمارات يشير إلى أن الإسلام دينها الرسمي، وينتمي شعبها إلى الإسلام. الإمارات يعيش فيها ملايين الأشخاص من 200 جنسية، ينتمون لديانات متعددة، فيسمح لهم ببناء دور عبادة، ومقابر، ومدارس، ويمكن لهم ممارسة طقوسهم، ويحق لهم الإعلان عن احتفالاتهم، ويمكن لهم الاحتكام أمام محاكمها فيما يخص أحوالهم العائلية وفق شرائعهم أو القوانين النافذة في دولهم، ويمكن أن ينال المحكومون منهم على ذمة بعض القضايا العفو في المناسبات الوطنية والإسلامية، مثلهم مثل المحكوم عليهم من المواطنين والأجانب المسلمين.

وإذا كان هذا زمن الإرهاب الديني، فهو أيضاً زمن الطائفية، إذ لم تكن المنطقة تغلي على مرجل الطائفية كما يحدث اليوم، ولم يكن الاستقطاب الطائفي حاداً إلى مستوياته الحالية، ولم يكن استغلال المشاعر المذهبية وتوظيف الدين بهذا الوضوح، ولم تكن الأوضاع متفجرة بين طوائف المسلمين إلى حد التذابح، ليأتي السؤال الذي يتعلق بالإمارات التي تحتضن مذاهب إسلامية مختلفة، كان ولا يزال أتباعها يعيشون معاً في أجواء متسامحة، من دون إساءات تذكر أو تمييز بسبب اعتقادات أو ممارسات دينية، فما عساها أن تفعل والنيران المذهبية تحرق كل ما يتصادف في طريقها من نسيج مجتمعي مبني على التسامح والتعايش والمواطنة، غير أن تقف بحزم، وتقطع الطريق على الطائفيين، أياً كانوا؟!

حين يضع المرء كل ذلك أمامه، والمقام لا يتسع للحديث عن حرص الإمارات على المحافظة على مكتسباتها في ظل الفوضى التي تعم ثلث الدول العربية، ولا الحديث عن الدين الإسلامي الذي بات مهدداً بالاختطاف، سيجد أن الإمارات لا خيار لها إلا أن تخوض المعركة. صحيح أن الاقتراب من الدبابير مؤذٍ، لكن التغاضي عنها له ثمن أكثر فداحة: أن تبني هذه الدبابير أعشاشها في بيتك!
&