& أسامة القادري&


• مواقع «الجبهة الشعبية» لم تعد مصدر قلقٍ للأهالي ... والهمّ الرئيسي بات كيف يردّون «داعش»

• مخاوف من مخطط «داعش» لفتح ثغرة إمداد بعد إقفال الطريق في جرود عرسال

• معلومات عن أن «حزب الله» استطاع تجنيد شباب مسيحيين ودروز وسنّة مقابل رواتب مغرية


تتضارب المعلومات والمعطيات عن نية «داعش» فتح ثغرة لها من منفذ السلسلة الشرقية لجبال لبنان، حيث مواقع «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة»، في مقابل تقارير عن ان «داعش» وضْعها الى تراجع في القلمون، لسببين اولهما الضربات العسكرية التي تتلقاها، والثاني ان «الجيش السوري الحر» و«جبهة النصرة» استطاعا سحب نحو الف مقاتل منها في جرود عرسال الى جبل الشيخ بحسب مصادر معارضة.

حديث أبناء قرى شرق مدينة زحلة البقاعية، كفرزبد عين كفرزبد قوسايا، دير الغزال، تربل، رعيت، المتخامة للحدود السورية عند السلسلة الشرقية، عن الاضرار اللاحقة بهم جراء مواقع «القيادة العامة» (بقيادة احمد جبريل) المتموْضعة في جرود قوسايا، لم يعد يأخذ حيزاً وافياً واهتماماً كما كان قبل عامين. فهذه المواقع التي تتشكل من أنفاق تصل الحدود السورية باللبنانية، ما يجعلها معبراً غير شرعي بين لبنان وسورية تعبره عناصر القيادة العامة والاجهزة الامنية السورية، وممراً لقوافل حزب الله من والى سورية، لم تعد مصدر قلق للأهالي ولا سيما المسيحيين على اختلاف مشاربهم السياسية الذين لطالما استفزهم سابقاً طوال 32 عاماً منْعهم من الوصول الى اراضيهم والاستفادة من استثمارها الزراعي. و«التسامح» بات قائماً ايضاً حيال موقع «القيادة العامة» في تلة حشمش الواقعة عقارياً في رياق، عند طرفي مدخليْ بلدتيْ دير الغزال وقوسايا. والسبب ان الهمّ الرئيسي للاهالي بات كيف يردون امكان توسع «داعش» واجرامها عنهم، والتحسب لاحتمالات تفجير معركة تمتد من جرود عرسال باتجاه جنتا حيث مرابض «حزب الله»، وصولاً الى قوسايا حيث مواقع النظام السوري والقيادة العامة، بهدف ربط المنطقتين ببعضهما، ووصلهما بجبل الشيخ على حد تعبير أحد العناصر المؤيدة للنظام الذي قال انه بعدما شحت على «الارهابيين» الامدادات العسكرية واللوجستية «لم يبق امامهم سوى هذه المنطقة».

ومن هنا تسود الاهالي مخاوف من سعي «داعش» الى فتح طريق امداد لها، ما قد يشرّب ابواب المعركة في هذه القرى كونها مسيحية وسط حال قلق عارم من امكان تكرار سيناريو «الاجرام الداعشي بحق ازيديي ومسيحيي العراق»، وهو ما حدا بالقوى والاحزاب السياسية في هذه القرى، لأن تشكل مع فعاليات البلدات مجموعات من الشباب مهمتها «الاستطلاع الاستباقي»، للحفاظ على أمن الاهالي.

لا تبعد قوسايا وكفرزبد ودير الغزال ورعيت عن «عاصمة الكثلكة في الشرق»، مدينة زحلة، اكثر من ستة او سبعة كيلومترات على ابعد تقدير، ولذا يكثر الحديث والتسريب الاعلامي عن مخاوف الزحليين ومسيحيي المنطقة من أن تُفتح هذه الجبهة ويكونوا كبشاً لـ«داعش»، ولا سيما في القرى الامامية عند الحدود مع سورية، والتي تشكل خطاً بنحو 25 كيلومتراً من المصنع شمالاً حتى كفرزبد قوسايا، وصولاً الى مرتفعات جنتا حيث مرابض «حزب الله». فحدود هذه القرى متداخلة مع الحدود السورية، والسيطرة الكاملة فيها من المقلب الآخر لوحدات الجيش السوري، ولمواقع «حزب الله» و«القيادة العامة».

الوصول الى هذه القرى ليس بالامر الصعب، فالطريق اليها سالكة والحياة فيها جد طبيعية، رغم عدد الحواجز العسكرية المتزايدة على طول الطريق الى المنطقة. وما بدا واضحاً هو تعزيز وحدات الجيش اللبناني بالآليات والعناصر العسكرية والحواجز الأمنية، ما يثبت المخاوف من اقتراب اللهيب السوري الى تلك الجبهة.

فعلى طول الطريق بين كفر زبد وقوسايا ودير الغزال، الكل ينهمك بعمله الذي لا يقطعه سوى بعض اصوات دوي الانفجارات جراء المعارك الدائرة في وادي بردى، الزبداني ومضايا وبلودان السورية المقابِلة. اما مَن أراد الوصول الى جرود قوسايا حيث مواقع «القيادة العامة»، فهذا ممنوع البتة، وما ان يصل الى مدخل المنطقة المسماة بـ «باب المزراب»، حتى يصطدم بحاجز للجيش اللبناني يمنع دخول وخروج اي مواطن. وحتى ابناء البلدة لا يعبر منهم سوى اصحاب المزارع القريبة من الحاجز، ويُسمح فقط لعناصر مركز «جبهة جبريل» بالعبور في الاتجاهين لايصال بعض التموين ولتبديل المناوبات والحراسات بين موقع قوسايا وموقع حشمش عند مثلث عقاري بين رياق ودير الغزال وقوسايا، الذي تنتشر في محيطه عناصر مسلحة من «القيادة العامة»، تمنع الاقتراب من الموقع الذي يقفل مدخله بحاجز وسيارات.

وبحسب شهود عيان فإن عناصر «حزب الله» ايضاً يعبرون باتجاه جرد الزبداني بآلياتهم عبر موقع قوسايا كما يقومون ليلاً بدوريات في هذه المنطقة.

«هنا الخاصرة الرخوة» على حد تعبير عنصر من إحدى الأحزاب السياسية الموالية للنظام السوري في المنطقة. الرخاوة التي يتحدث عنها تعود به الى الاتهامات التاريخية للمسيحيين من النظام السوري ابان الحرب الاهلية اللبنانية، واعتباره ان المنطقة مصدر قلق من «مؤامرات» حلفاء المسيحيين في تلك الحقبة كونها لا تبعد عن العاصمة السورية دمشق سوى حوالي 20 كيلومتراً. اما اليوم فـ «رخاوة خاصرة دمشق»، تأتي من خلايا ارهابية نائمة منتشرة في قرى مجدل عنجر والبقاع الغربي ذات الغالبية السنية، بحسب المحازب المؤيد للنظام السوري الذي يوضح ان الخوف هو من مخطط «الارهابيين لفتح ثغرة إمداد لهم بعدما أقفلنا عليهم في جرود عرسال»، متحدثاً عن محاولات عديدة تم افشالها للسيطرة على تلك التلال من جهة الزبداني اذ ان «موقع القيادة العامة ومواقع حزب الله كانت لهم بالمرصاد». ويبرر استمرار وجود هذه المواقع في جرود قوسايا ودير الغزال وكفرزبد بأن «الخوف الاكبر من الخلايا النائمة في القرى التي تعتبر حاضنة للفكر الداعشي، والمجموعات الموجودة في مخيمات النازحين على طول طريق ديرزنون رياق، الخط الخلفي لقرى شرق زحلة»، مضيفاً: «في مجدل عنجر وفي الصويرة في البقاع الغربي، حتى ظهر الاحمر وجوارها، يتوزع 400 مقاتل، من النصرة، قسموا الى مجموعات (نائمة) تنتظر ساعة الصفر للانطلاق، مهمتها شق ثغرة من وادي عنجر باتجاه منطقة بردى، ووصْلها بالزبداني لاستكمال مخطط «الكماشة» على الفيلق الثالث للجيش السوري في جديدة يابوس، المتموضع في السلسلة الشرقية، في محاولة لربط منطقة الزبداني بسلسلة جبل الشيخ (الذي يقع عند مثلث الحدود اللبنانية ـ السورية ـ الفلسطينية) ودمشق، ولذا تحاول المجموعات المسلحة الوصول اليها، وهكذا تتحول هذه المنطقة كتلة من نار، لتستكمل المجموعات الارهابية مشروعها باتجاه نقطة جديدة يابوس ويتم ربط القلمون بجبهة جبل الشيخ»، وتابع: «أن ما يعوق فتح ثغرة في جرود قوسايا دير الغزال وكفرزبد، هو مواقع القيادة العامة وحزب الله».

ومن جهة أخرى، تتحدث معلومات عن أن «حزب الله» استطاع أن يجنّد عدداً كبيراً من الشباب المسيحيين والدروز والسنّة داخل القرى الممتدة على طول السلسلة الشرقية حتى شبعا والعرقوب (قبالة جبل الشيخ) مقابل رواتب مغرية»، مشيرة الى أن المسيحي والدرزي يتقاضى راتب الف دولار، فيما السنّي بين 1200 و1500 دولار شهرياً، تحت ما يسمى «سرايا المقاومة»، ولافتة الى أن العدد وصل في مجدل عنجر والصويري الى نحو 100 عنصر، وايضا في شبعا بلغ عدد المنتسبين «لسرايا الحزب»، 80 عنصراً، وهذا ما أحدث حالة من البلبلة داخل هذه القرى وسط تساؤل عن الهدف والسبب والدور المطلوبين من هذه المجموعات التابعة لـ «حزب الله».

وعود على بدء، ووسط هذا الكمّ من الشائعات والتكهنات وغياب الثقة بقدرة الدولة بمؤسساتها الامنية والعسكرية على ردّ اي عمل امني على الحدود، خرجت مجموعة من الشباب في هذه القرى عند الشريط الشرقي لمدينة زحلة، تحت ما يسمى «الأمن الذاتي»، وصار يمكن مشاهدتهم وهم يجوبون الطرق ويتولون الحراسة الليلية والاستطلاع عن اي آلية غريبة او حتى عن اي شخص يدخل البلدة، علماً انهم يتواصلون من خلال أجهزة لاسلكية. يشير «جورج» بيده بعدما ارخى جهازه اللاسلكي من يده ويقول: «لا نُشعِر اي شخص بأنه مراقَب، ولا حتى نُظهِر سلاحنا لأي كان، لأن المهمة الرئيسية هي متابعة اي حركة، وبحال الاشتباه بأي شخص نقوم بإبلاغ السلطات المعنية من مخابرات جيش وقوى امنية».

يحاول ابراهيم الدبس (شيوعي) وهو من بلدة دير الغزال المحاذية والمطلة على السلسلة الشرقية ومواقع القيادة العامة فيها، التقليل من حدة الخوف، باعتبار ان فصل الشتاء بدأ وفي أي لحظة تقفل جميع المنافذ بسبب تراكم الثلوج والوحول. وينفي ان يكون اي من ابناء المنطقة نزح الى مناطق لبنانية اخرى كما تحدثت وسائل اعلام، ويقول: «مواقع القيادة العامة والجيش السوري ليست سهلة في تلك البقعة، ما يعني أن من الصعب ان تكون لقمة سهلة الهضم ما لم تحدث داخل هذه المواقع انشقاقات الامر الذي يسهل على الارهابيين اقتحامها والسيطرة عليها كما حصل في عدد من مواقع عسكرية سورية، وعراقية»، لافتاً الى ان تنظيم «داعش» اعتمد شراء ضباط وعسكريين داخل المراكز العسكرية في الرقة وحلب والموصل، ومضيفاً: «الخوف ان تتكرر الانشقاقات والتمرد داخل هذه المواقع، لأنها حصلت اكثر من مرة خلال الازمة السورية».

ولفت مصدر امني رفيع، متابع لملف التكفيريين والمجموعات السرية في البقاع عبر «الراي» الى ان التخوف مبالَغ فيه، وقال: «هناك تضخيم اعلامي كبير عن وجود هذه المجموعات، وكثيراً ما نفاجأ بشائعات تتحدث عن أعداد ضخمة ومخططات وغيره، ليتبين أنها مجرد شائعات لا صحة لها»، مشيراً الى «ان هذا التضخيم الاعلامي يفرض حالة من التخوف لدى الناس، ما يضيّق الخناق على النازحين، وهذا التضييق واهانة اللاجئين واحياناً الاعتداء عليهم يوجِد ردات فعل، تتمثل اما في التأييد لداعش او لأي مجموعة يرون فيها عنصراً لردّ الاعتبار».

كل هذه الهواجس يحاول أن يبددها مصدر من «الجيش الحر» في ريف دمشق، انطلاقاً من اقتناعه ان وضع تنظيم «داعش» في القلمون وجرود عرسال تراجع بشكل ملحوظ، معتبراً أن الحديث عن معركة للسيطرة على قرى مسيحية لبنانية بهدف فتح ثغرة لإمداده قبل تساقط الثلوج واقفال منافذه ما هو الا «ذرّ للرماد في العيون»، ولافتاً الى ان النقطة التي يتحدث الاعلام عنها ويتكهن أنها منطقة خصبة ليحقق عبرها «داعش» إنجازاً «إما أن يكون الإنجاز الذي يحكى عنه ناتج عن تراجع قوة جيش الاسد في بردى والفيلق الثالث، أو انهم يمهدون لتسليم هذه المراكز لداعش، ما قد يهدد دمشق ولبنان في آن معاً».

وأفصح المصدر عن ان قيادة «الجيش الحر» تعمل على سحب مجموعات مقاتلة كانت التحقت بـ «داعش» اثر تراجع الدعم لـ «الحر» في جميع المناطق ومنها القلمون «لقطع الطريق امام النظام الذي يحاول ايجاد فجوة بيننا وبين اللبنانيين»، موضحاً «أن الجيش الحر، بعد الدعم الذي وصله في الآونة الاخيرة، بدأ العمل على خطة لملمة شرذمته في منطقة القصير ويبرود باستعادة عدد من عناصره الذين لجأوا الى داعش بسبب وقف الدعم لنا مع بداية ظهور تنظيم الدولة الاسلامية»، ومشيراً الى أن رئيس المجلس العسكري لـ«الحر» العقيد عبدالله الرفاعي يوم اعتقل في عرسال «كانت احدى أهم مهماته في جرود عرسال كبح تمدد داعش في القلمون، وتحديداً خط الشريط الحدودي، والسعي لايجاد حالة تمرد داخل الصف الداعشي في قطاع القلمون»، ولافتاً الى أن هذه الاستراتيجية بدأت تجدي ثمارها، في تراجع «داعش» بشكل ملحوظ «وحتى بداية تساقط الثلوج، تكون منطقة القلمون شبه خالية من تنظيم داعش»، وكاشفاً ان «الحر» سحب نحو 700 مقاتل من جرود عرسال، الى جبل الشيخ على مراحل عبر شبعا».


مواقع «القيادة العامة»


تشرف مواقع «القيادة العامة» للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين على 14 كيلومتراً من الأراضي اللبنانية والسورية معاً، وتقابلها من الضفة السورية بلدة كفير يابوس القريبة، مروراً بالزبداني ومضايا وسرغايا. أما من الجهة اللبنانية فتشرف على سهل دير زنون ـ زحلة، وجزء من البقاع الأوسط، بدءاً من عنجر في الجنوب، امتداداً إلى الفاعور وكفرزبد وعين كفرزبد وقوسايا ودير غزال ورعيت ورياق ومطار رياق العسكري في الغرب، وأبلح وبدنايل حتى النبي آيلا في الشمال.

اما المنطقــــة الممتدة جنوباً مـــــن مواقع «القيادة العامة» فتنتشر فيهـــا مواقـــع للجيش السوري في مقابل عنجر ومجدل عنجر، والمنطقــــة الممتــــدة شمالاً تقع تحت ســــيطرة نـيران مواقع «حزب الله» في جنتا.

&