فهد عامر الأحمدي

الإسرائيليون مشغولون هذه الأيام في مسألة ما إن كنا (نحن العرب) نحمل جينات أو مورثات عنيفة بطبيعتها.. يستشهدون على ذلك بانتقال بعض الفلسطينيين (من حملة الجنسية الإسرائيلية) للانضمام لتنظيم داعش للمشاركة في أفعالها الدموية.. وقالت صحيفة يديعوت أحرونوت بهذا الخصوص: "لن نستغرب لو ترك هؤلاء حياتهم الرغيدة داخل حدود 67 للقتال بجانب حماس، ولكن أن يتركوا إسرائيل للقتال بجانب داعش فهو الأمر الذي لا يمكننا تفسيره فعلا".

وكانت الصحف التابعة للتيار المحافظ في أمريكا قد خاضت نقاشات مماثلة بعد تفجيرات 11 سبتمبر (غير التي طالت الاسلام كمحرض للعنف) وقال حينها الرئيس بوش جملته الشهيرة "لماذا يكرهوننا؟"

ورغم أنني شخصياً لا أتقبل تحميل الجينات الوراثية عبء تصرفاتنا الجماعية (خصوصا حين يتجاوز أحدهم دور الثقافة والتاريخ) إلا أنني على قناعة بلعب المورثات أدواراً جزئية في سلوكياتنا الفردية (وأقول جزئية بسبب وجود عوامل أخرى تتعلق بالتربية والدافع والبيئة المحيطة) والمشكلة في نظري لا تتعلق بوجود أو عدم وجود دور وراثي في السلوك الإنساني؛ بل في تحول هذا الدور إلى "شماعة أخطاء" وعذر بيولوجي لقضايا غير مادية بطبيعتها كالأخلاق والعواطف.. فاليوم أصبحت الأجيال الجديدة في الغرب تؤمن مثلاً بأن العنف والشذوذ والخيانة والأنانية والانغماس بالخطايا تعود لأسباب وراثية لا دخل للفرد فيها. وتصديق هذه العلاقة سيغير بالتأكيد النظرة الاجتماعية والقانونية لسلوكيات كانت مستهجنة حتى وقت قريب؛ فالشذوذ الجنسي مثلاً وزواج المثيلين كان مستهجنا وغير قانوني في جميع الدول؛ ولكن الوضع تغير الآن نحو مزيد من التسامح والاعتراف رسميا بزواج المثيلين بحجة وجود دافع وراثي لاذنب للشخص فيه!!

ومن المعروف أن معظم القضايا الجنائية تسقط إن كان مرتكبها مجنوناً أو صغيراً أو تحت ظروف قاهرة.. ولكن بعد أن كثرت الفرضيات التي تدعي بأن (حتى السلوكيات الخاطئة) لها أصل وراثي (أو يمكن أن تورث) أصبح من الشائع اعتمادها لتبرير التصرفات المخالفة للقانون.. ففي أمريكا مثلاً أصبح من المألوف أن يقف أحد المحامين ويدعي أن موكله " قتل زوجته بالمطرقة بسبب السلوك العنيف الذي ورثه من والديه" أو أن "الواقفه أمامكم أحرقت ابنها بسبب مورثة إجرامية تسري في عروق العائلة".

والعجيب أن حتى الشركات وأصحاب المصالح الخاصة "دخلوا على الخط" واستغلوا هذا الموضوع لتحقيق مكاسب مادية واقتصادية دنيئة. فشركات الخمور مثلاً تتبنى الأبحاث التي تدعي أن الإدمان على المسكرات يعود لأسباب وراثية لا دخل لهم فيها. وفي كاليفورنيا طالبت نقابة الأفلام الإباحية بمزيد من الشذوذ والحرية لمواكبة دوافع الشبق التي تفرضها بعض المورثات الشاذة في الانسان.. أما شركات التأمين في نيويورك فقررت رفع الأقساط على من يثبت امتلاكه خلفية وراثية عنيفة أو سبق لوالديه أو أحد أقربائة المباشرين (دخول السجن)!

نعود لموضوعنا الأساسي ونقول للإسرائيليين: لا أنصحكم بالبحث عن أصل وراثي لأفعال العرب كوننا أبناء عمومة نشترك بنفس "الجينات" (فأبو العرب اسماعيل هو الأخ غير الشقيق لإسحاق الذي ينحدر منه اليهود الأصيلين).

أما الأمريكان فنقول لهم: لو كانت للعنف والكراهية جينات وراثية لاحتللتم المركز الأول بين شعوب الأرض عطفاً على حروبكم الدائمة وقواعدكم المنتشرة في90 دولة حول العالم!

أما فيما يخصنا نحن؛ فلا تسمحوا لأحد أن يقنعكم بتحميل علم الوراثة مسؤولية أي سلوكيات شاذة.. ف"الدعشنة" فرضية ثقافية متشددة (وليست وراثية مُحتمة) بدليل الألم الذي يحمله آلاف الأباء والأمهات على أبنائهم المغرر بهم.
&