خليفة علي السويدي

في مقالهما الذي حمل عنوان الله وقيصر في أميركا، كيف أساء الخلط بين الدين والسياسة إلى المسألتين، كتب David Campbell وRobert Putnam عن خطورة التطرف الديني، وكيف يؤثر سلباً في الناس، وذلك تعليقاً على إقحام «المحافظين الجدد» من ساسة أميركا للدين في السياسة. فقد تتبع الكاتبان السلوك الانتخابي للشباب الأميركي من السبعينيات حتى 2006 وتبين لهما أن (الحزب «الجمهوري» تقل شعبيته بين الشباب كلما أسرف في استخدام الدين في السياسة. لكن الأخطر من ذلك أن تركيز «المحافظين الجدد» أو «الإنجيليين الجدد» على إدخال الدين في سياسة الدولة من أجل المكاسب الانتخابية دفع الشباب الأميركي ليس فقط إلى عدم التصويت للحزب «الجمهوري»، لكن إلى هجران الكنائس بل حتى هجران الدين كله).

هل يصدق النقل السابق على الوطن العربي، الذي يمر بمرحلة حرجة من إقحام الأحزاب الدينية المتطرفة للدين في صراعها مع الحكومات العربية؟ سؤال أطرحه من باب الغيرة على الإسلام الذي هو بريء من كل المتطرفين وما يقومون به اليوم في أرجاء المعمورة، زعماً منهم بأنهم يريدون أن يحكم الإسلام، وهم في حقيقتهم يخوضون حرباً أضحت مكشوفة من أجل كراسي الحكم.

&


فهل من مصلحة الإسلام ما يقوم به هؤلاء؟ إن النتيجة ستكون عكسية على المدى الطويل.

لم أطلع على دراسات علمية حول التأثير السلبي لما تقوم به تيارات الإسلام السياسي في المنطقة، وأثر ذلك على تدين الناس والتزامهم بالإسلام منهج حياة، لكنني أزعم جدلاً من خلال تتبعي لبعض الظواهر في المجتمع العربي، بروز ظاهرتين لا بد من الاقتراب منهما، والتأني في دراستهما وربطهما بمتغير إقحام تيارات الإسلام السياسي للدين في السياسة. الظاهرة الأولى هي الإلحاد، الثانية هي الإسلام دون أداء للشعائر. أجريت في برنامج «خطوة» حواراً مع بعض الملحدين من الشباب العربي المسلمين منهم أو النصارى، وقد تبين لي أنهم سلكوا درب الإلحاد رغبة منهم في اعادة اكتشاف دينهم الذي قدم لهم بصورة مشوهة، قد يقول البعض إن إعداد هؤلاء قليلة، لكن الظواهر تبدأ كذلك، ومن يتابع أنشطتهم في المواقع الالكترونية الخاصة بهم يجد أن الأعداد في تزايد. الشق الثاني من هذه الظاهرة يكمن في عدم أداء الجيل الجديد لشعائر الإسلام الأساسية مثل الصلاة أو الصيام.

ليس من طبعي التشاؤم، ولا أنكر أبداً أن الالتزام بالإسلام ليس ظاهرة، لكنه أصل في المجتمع العربي المسلم، لكن الأحداث الأخيرة التي صاحبت إقحام تيارات الإسلام السياسي المتطرفة للإسلام في عملياتها الحمقاء في كافة الأرجاء هزت ثقة بعض الشباب بدينه، وجعلته يراجع بعض قناعاته. فإن كان الإسلام دين سلام كيف يجرؤ هؤلاء على ذبح الأبرياء باسم الله؟

ما تمر به الأمة العربية والإسلامية من مشاهد، وما تشهده من مجازر تتم باسم الدين، وقد يكون بعض من يخوضونها غرر بهم لتحقيق مأرب أكبر من عقولهم، هذه المعطيات لها انعكاسات سلبية على المسلمين الجدد، أو من ورث الإسلام دون تعمق فيه أو تبحر في معانيه. المشاهد التي تبثها القنوات في الفضاء الحر، وما يتبع ذلك من مساجلات عبر قنوات التواصل الذكية، قد تقود تلك الأمور الشباب اليانع إلى إعادة النظر في هذا الدين العظيم، دين الوسطية والاعتدال، ومهد الحضارة التي قبلت الآخر مهما كان معتقده، وعندها سيندم كل من أسهم في تشويه صورة الإسلام مهما كانت نيته أو فصيلته أو جماعته، فالغاية النبيلة لا بد لها من وسيلة مثلها، فهل من عقلاء يردون هذا البلاء.
&