خليل علي حيدر

«الإخوان المسلمون» في الأردن من أشد أحزاب «الإخوان» تمسكاً بجمود وتقليدية الجماعة الأم، وإذا أرادت الجماعة المصرية «إخواناً» أطوع من الميت في يد مغسله، وأكثر مزايدة في التعصب والتشدد «الإخواني»، فهم على الأرجح «إخوان الأردن»، وبالرغم من أهمية المكون الفلسطيني في هذا الحزب، إلا أن مواقفه من اعتداء نظام صدام على الكويت عام 1990 دمرت مصالح عريضة للفلسطينيين في الكويت وعموم المنطقة الخليجية، وكانت الجماعة في مقدمة مؤيدي صدام في الضفة الغربية من فلسطين وفي القطاع، ومن أوائل من اقترحوا الأحزمة الناسفة والمتفجرات لمقاومة اقتلاع الرئيس المقبور، بل وحتى تقديم العزاء في مقتل قائد الإرهاب ورمزه في العراق «أبو مصعب الزرقاوي»، الذي قتل المئات والآلاف من أبناء وبنات العراق في جرائم إرهابية مروعة، إلى جانب ما أشاعه الزرقاوي، ممثل «القاعدة» في العراق، من طائفية صارخة، وفق خطة معلنة محكمة، مزقت المجتمع العراق ولاتزال.

وعندما أشعلت «حماس» الحرب في غزة هذا العام ونجم عنها ما نجم من دمار اعتبر «الإخوان» أن المقاومة انتصرت في غزة على إسرائيل، وأن الحرب الأخيرة في القطاع «لقنت محور الاعتدال درساً»، وهي حرب راح ضحيتها أكثر من 2000 فلسطيني، ودمرت غزة دماراً يصعب إزالة آثاره، ولولا الوساطة المصرية لما بقي لغزة مبنى سليم.

&


ولعل آخر مواقف «إخوان الأردن» رفضهم لقائمة الإرهاب التي أعلنتها دولة الإمارات، حيث أكدوا أن الكثير من هذه المنظمات المستهدفة هي «منظمات معتدلة»، ولم يكتف الإخوان بهذا، حيث شن نائب المراقب العام لجماعة الإخوان في الأردن «زكي بني إرشيد» هجوماً كاسحاً على دولة الإمارات. لماذا يتصرف «إخوان الأردن» بهذه الانفعالية المدمرة على أقل تقدير، لمصالح التيار الديني الأردني ومصالح عشرات الآلاف من الفلسطينيين في الخليج ممن سيدفعون ثمن هذا النزق الحزبي؟

يقول الباحث الأردني والكاتب «إبراهيم غرايبة» في دراسة له بمجلة «الديمقراطية»، أبريل 2014، «إخوان الأردن من الناحية الفكرية جماعتان مختلفتان اختلافاً جذرياً وكبيراً عن بعضهما: أولاهما تيار يعبر عن «الإخوان المسلمين» في حالتهم العامة والتقليدية، ولكنه تيار قيادي، ولا يمتلك تأييداً تنظيمياً كبيراً ومتماسكاً داخل الجماعة، أما الجماعة الثانية في «الإخوان» ذات الأغلبية والتأثير التنظيمي، وإنْ كانت تراجعت عن الواجهة منذ عام 1990، فهي تشكلات فكرية وسياسية أقرب إلى حزب «التحرير»، وأفكار ومقولات سيد قطب «فكيف لا يتعاطف هؤلاء مع دولة الخلافة» والعنف وعن زبدة سياسات «الإخوان» في الأردن يقول غرايبة:

«من الناحية السياسية والوطنية لم يقدم الإخوان المسلمون في الأردن رؤية سياسية واقتصادية. ولم يعبروا عن الطبقة الوسطى، فلم ينعكس نجاحهم الانتخابي، في نقابات المهندسين والأطباء والمعلمين والصيادلة والمحامين في برنامج إصلاحي مجتمعي تتجمع حوله الطبقات الوسطى، ولكنهم ظلوا على الدوام يجتذبون المؤيدين في الانتخابات العامة على أساس رؤية سياسية مستمدة في مواجهة التسوية السياسية، والدعوة إلى الآمال والتطلعات الكبرى للأمة العربية والإسلامية، وتأييد مجتمعي سياسي بين الأردنيين من أصل فلسطيني، حيث يحصل مرشحو الإخوان على نجاحات واسعة في المخيمات والمناطق ذات الكثافة الفلسطينية العالية في عمان والزرقاء وإربد والعقبة».

وتعاني الجماعة، كما صرح وزير الدولة لشؤون الإعلام والناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية سميح المعايطة من اضطراب في الرؤية السياسية، فيقول في إحدى المقابلات: «الإخوان طالبوا بتعديل قانون الانتخابات، وبعدها طالبوا بتعديل الدستور، وأخيراً يتحدثون عن دولة إسلامية، السؤال هو: ما الذي يريدونه؟ هل هناك رؤية واضحة لهم؟ من يطالب بتعديل القانون ثم يطالب بدولة إسلامية، فإن المسافة شاسعة بين المطلبين». كان هذا «الدلال» في أعقاب نشوة الهيمنة على مصر، وفوز الرئيس «الإخواني» «محمد مرسي» هناك، إذ صار «الإخوان» ينظرون لأنفسهم كملوك وسلاطين المشرق الجدد.

تعمُ الأوساط السياسية الأردنية- كما في دول عربية أخرى- الشكوى من غموض موقف «الإخوان» وازدواجية خطابهم، حيث يبدو ما هو مقنع ومعقول لهم مقنعاً للآخرين، ويقول الكاتب الأردني مهند مبيضين: إن جماعة الإخوان الأردنية «تعيش اليوم الكثير من العُقد الموروثة التي جعلتها طوال السنوات الأربع الماضية لا تسمح بأي صوت معارض داخلها لسياسات شيوخها الكبار المتشددين في علاقتهم مع الدولة، والذين أوضح الملك عبدالله الثاني في أكثر من لقاء أنهم يقولون له كلاماً ويخرجون للسفراء ويقولون كلاماً مناقضاً».
&