تحوّل إلغاء الاحتفالات الرسمية التقليدية بعيد الاستقلال في لبنان، بفعل شغور موقع رئاسة الجمهورية نتيجة فشل القوى السياسية والكتل النيابية في التوافق على انتخاب الرئيس العتيد، مناسبةَ تحرك ضاغط من قطاعات المجتمع المدني والنقابي من أجل إنهاء الشغور الرئاسي، فنظمت تظاهرة حاشدة حملت الأعلام اللبنانية الى القصر الرئاسي في بعبدا، شارك فيها رجال دين من كل الطوائف. كما أقامت منظمات شبابية احتفالاً في ساحة الشهداء وسط بيروت، التي تكون عادة جزءاً من مسرح العرض العسكري السنوي الذي تقوم به القوات المسلحة اللبنانية في ذكرى الاستقلال في حضور رئيس الجمهورية يحيط به كبار المسؤولين في الدولة. وركز الخطباء على ضرورة انتخاب الرئيس. وينتظر أن تتواصل تحركات قطاعات المجتمع المدني في الأيام المقبلة لهذا الغرض.

وقال السفير السعودي في بيروت علي بن عواض عسيري، إن الحوار بين اللبنانيين شأن داخلي لبناني لا علاقة له بالمواقف التي تتخذها المملكة العربية السعودية في الأمم المتحدة.

وأوضح عسيري في رده على سؤال لـ «الحياة» عن صحة التكهنات بأن مطالبة المملكة مجلس الأمن بوضع «حزب الله» على لائحة العقوبات للجماعات الإرهابية التي تقاتل في سورية، ستؤدي الى وقف جهود إقامة حوار بين تيار «المستقبل» و «حزب الله»، أن «ربط الحوار الذي هو شأن داخلي بأي مواقف تتخذها المملكة، في غير مكانه، وكل ما تتمناه المملكة هو أن ترى وحدة الصف بين اللبنانيين والتوافق بين القوى السياسية كافة لتحصين لبنان وإيجاد مخرج للشغور الرئاسي وانتخاب رئيس جديد للجمهورية، فهذه هي الأولوية التي نرى أنها تخدم مصلحة لبنان، وليس ربط الأمور بما قيل في الأمم المتحدة».

وكان السفير السعودي في الأمم المتحدة عبدالله بن يحيى المعلمي طالب مجلس الأمن الثلثاء الماضي بوضع الجماعات والتنظيمات الإرهابية الموجودة في سورية على قائمة العقوبات، بما فيها ميليشيات «حزب الله» و «فيلق أبي الفضل العباس» و «عصائب أهل الحق». وأثار الأمر تعليقات من بعض القوى السياسية بأن هذا الموقف ينسف محاولات إطلاق الحوار بين تيار «المستقبل» والحزب، بعدما كان زعيم التيار الرئيس سعد الحريري والأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله أعلنا الاستعداد للبدء به، ويقوم رئيس البرلمان نبيه بري بمساع للتمهيد له.

وقال عسيري لـ «الحياة»: «ما نتمناه هو حوار بين كل القوى السياسية لإنهاء الفراغ الرئاسي. البلد في حاجة الى ملء الفراغ في الرئاسة. هذه هي تمنياتنا لا أكثر، وأكرر القول إن الحوار شأن داخلي».

وكانت مصادر الرئيس بري أوضحت لـ «الحياة» أن لا صحة للأنباء عن أن جهود إطلاق الحوار توقفت، وقالت: «لم يتراجع أي من الفريقين أصلاً عن الموقف الذي أعلنه بالاستعداد لهذا الحوار، والعمل جار للتهيئة له. وجهود الرئيس بري تقوم على تحديد توجهات الحوار، فهناك قضايا خلافية وقضايا قابلة للحل وأخرى غير قابلة للمعالجة بين الفريقين وقضايا يمكن تعليقها». وأشارت مصادر بري الى أنه تلقى توضيحاً بأن الموقف السعودي في مجلس الأمن متخذ منذ زمن ضد كل من يقاتل في سورية، ويشمل السعوديين الذين يقاتلون هناك، والمطالبة بوضع جميع من يقاتلون في سورية على لائحة العقوبات لا علاقة له بلبنان.

ويترقب الوسط السياسي ما سيعلنه الحريري في حديثه التلفزيوني الخميس المقبل في شأن الحوار، خصوصاً أن عدداً من مستشاريه وقادة «المستقبل» انتقل الى الرياض للتشاور معه حول المرحلة المقبلة.

وكانت الذكرى الـ71 للاستقلال اللبناني أمس، اختلطت مع حلول اليوم الـ182 للشغور الرئاسي، فقال رئيس الحكومة تمام سلام في حديث إذاعي للمناسبة، عما آل إليه الاستقلال مقارنة بالماضي ورجالاته: «تراجعنا وضعفنا كثيراً وضعف من حولنا العالم العربي والنسيج العربي ووصل الى التقاتل والإرهاب». وأشار الى «سوء استعمال الاستقلال لمآرب خاصة... أوهنت الكيان اللبناني وأربكت تقدمه». وحمّل المسؤولية للقيادات التي لا ترى العمل العام إلا بمقاييسها وما يحقق نفوذها وتسجيل المكاسب.

وكرر الدعوة الى التوافق بين القوى السياسية على الرئاسة، أسوة بما حصل عند تأليف حكومته، «وهذا يتطلب الحوار وليس التشبث».
&

الى ذلكرأى رئيس الحكومة اللبنانية تمام سلام أن «حال اللبنانيين اليوم نسبة الى التاريخ الحديث المتمثل برجالات الاستقلال في تراجع وضعف كبيرين». وشدد سلام على «عدم الاستسلام في مواجهة التحديات». وأشار الى أنه «لا يمكن اعفاء أحد مما وصلت اليه الأمور في لبنان ولكن المسؤولية تقع على القيادات». وقال: «في كل مناسبة هناك دول تسخر لها قيادات تدعمها وترفع من شأنها وهناك دول أخرى تسخر لها قيادات مع الأسف تأخذها الى أماكن استضعاف فيها أخطار لا تتوقف ليبدأ الانهيار من هنا وهناك». وأضاف: «في فترة من الزمن احتل البلد نموذج من قيادات لا ترى العمل العام الا في مقاييسها ومقاييس نفوذها ونفوذ من تمثل وتسعى الى تسجيل المكاسب في هذا الاتجاه فوصلنا الى شلل يفرض نفسه في الاتجاهات كافة، ونحن نحاول بما لدينا من صدقية رأب الصدع وتخفيف اضرار هذا الصراع ولكن الأمر شاق وصعب».

ورأى سلام في حديث الى «صوت لبنان - اقلام تحاور» ان «الوضع في البلد متماسك حتى الآن لعوامل عدة، ولكننا نتخوف من أن الآداء السياسي غير الناضج وغير المسؤول لبعض القيادات يجعل البلد في حال جمود ومراوحة من دون امكان التوصل الى حلول سياسية للخروج من المآزق». وذكّر بأن «الرئيس صائب سلام كان يردد ان الغرور هو مكمن ضعف الرجال، لأن الغرور يجعل القائد عندما ينتصر يعتبر الأمور كلها متوقفة عنده، هذا امر غير مريح، ولا يؤسس لانفتاح وتواصل. فليتواضع القادة وكل القوى السياسية لأنه مدخل للتفاهم والحوار».

وأشار سلام الى أن «بلداً متنوعاً مثل لبنان لا يمكن أن يستمر متعافياً ما لم تكن هناك تسويات بين اهله، وعلى الجميع العمل باتجاه التسوية التي تحفظ مكانة الجميع ولكن ليس على حساب الآخر، ربما مرحلياً الظروف الخارجية غير مواتية لمساعدتنا على هذه التسوية، ما هو متوافر خارجياً اليوم في اتجاه لبنان محصور فقط بمنعه من الانهيار والحؤول دون تفككه لأن لبنان يتأثر بالخارج، ولأن الخارج له ايضاً علاقات عريقة وقديمة مع لبنان ومن هنا الاهتمام بمنعه من الانهيار».

ورداً على سؤال عن اعتبار بعض الأطراف ان التسوية يجب ان تقوم بين الأقوياء ومن هم الأكثر تمثيلاً في الرئاسات الثلاث، وإلا فليأتِ الرؤساء الثلاثة توافقيين قال: «هذه توصيفات للهروب من مواجهة الحقيقة، وهي انه لا يمكن التوصل الى نتائج الا من خلال التوافق، اذ لا جدوى من عدمه لأنه لا يمكن لأحد أن ينتصر على أحد أو فئة على أخرى والبرهان الأخير ما حصل يوم التوافق على تأليف الحكومة»، سائلاً: «لماذا لا نخضع موضوع انتخاب رئيس للجمهورية للتوافق»، ومشدداً على أن «للتوافق مستلزمات أبرزها الحوار والانفتاح والاعتراف بالآخر وليس الجمود وتمسك كل فئة بقناعاتها وعدم الخروج من قوقعتها».

وحول معطيات بيان مجلس الأمن الأخير الذي طالب بالإسراع في انتخاب رئيس رأى أنه «على ما يبدو فإن المرجعيات الدولية الحريصة على معالجة الوضع في لبنان في شكل إيجابي تفتش عن مقاربات تساعدنا فيها لمواجهة الاستحقاق الرئاسي وهذا البيان هو من تلك المقاربات، وإذا توافر الدعم والمؤازرة من الخارج للتأثير داخلياً في المساعدة على حلحلة الأمور فهي مشكورة خصوصاً اذا جاءت من جهة معترف بها دولياً».

وعن دعوة الرئيس نبيه بري الى الحوار بين تيار «المستقبل» و»حزب الله» أكد سلام أن «لا شك في أن للرئيس بري في موقعه، مسؤولاً عن السلطة التشريعية ومرجعية وطنية بامتياز، مكانة خاصة لمتابعة هذا الموضوع وهو يبذل جهداً فيه ويسعى الى التحرك والتقدم في شكل ربما يساعد. وأنا من موقعي مستعد ان اكون ايضاً عاملاً مساعداً ومؤازراً له ولغيره من الذين عندهم نيات صادقة، لكن للرئيس بري تواصلاً مع القوى السياسية ومكانة عندها، ولابد من ان تكون عنده امكانات ومعطيات يوظفها ايجاباً لإيجاد مخارج وحلول».

وعن موقف السيد حسن نصرالله من أن النأي بالنفس لا يفيد في مواجهة الإرهاب، أشار سلام الى أن «موقفنا من هذا الموضوع اعتمدناه في البيان الوزاري بموافقة جميع القوى السياسية المشتركة معنا في هذه الحكومة درءاً للأخطار، وأن نعتني بشؤوننا وأن لا نتدخل في شؤون غيرنا، ولكن بين الموقف والتطبيق هناك مسافة معينة، ونعمل في اطار ان يتم التوصل الى هذا الواقع تطبيقاً وعملاً ونتابعه مع كل من هو معني في هذا الأمر مع الداخل قبل الخارج».

وعما اذا كان فكّر يوماً بالاستقالة قال: «ان نترك هذا الواقع ونستقيل من مهمتنا لإيقاع البلد في شغور او فراغ او شلل اكبر فيه مسؤولية كبيرة وتحد. هناك الكثير من الأمور تدعو الى الإحباط والاستقالة وعدم الاستمرار، ولكن في كل مرة تواجهني اوضاع كهذه اقول لنفسي ما هو الأسوأ والأكثر سوءاً، ففي حال انهارت الحكومة وانهار الائتلاف السياسي سيكون هناك ضرر بليغ يفوق كثيراً الضرر القائم اليوم من خلال الشغور الرئاسي والتمديد للمجلس النيابي».

وحول التوصل الى اتفاق مع ايران في ملفها النووي وتأثير ذلك في لبنان، أكد سلام أن «أي اتفاق بين الدول ستكون له فوائد على الجميع وسيكون مدخلاً لمزيد من الاستقرار».

وعن ملف العسكريين المخطوفين، في ظل ما تردد عن ان الحكومة السورية ابدت ايجابية حول مبادلتهم بسجينات في سورية، قال:» قضية عسكريينا الأبطال الذين وقعوا في أسر الإرهاب والإرهابيين والذين تم التعامل معهم في شكل وحشي في ذبح بعضهم وقتل الآخر امر مقلق وسعينا ولا نزال إلى إيجاد كل الوسائل والسبل التي تتيح التوصل الى الإفراج عنهم، وبدأنا التفاوض واستعنا بدول صديقة وماضون في هذا الموضوع لكن على وتيرة غير مريحة في ظل التشنج والصدام القائم من حولنا في سورية بالذات، وكل طريق يمكن ان يؤدي الى مساعدتنا للإفراج عن العسكريين من دون التنازل عن كرامتنا وحقوقنا وهيبتنا كدولة سنسعى فيه في كل الاتجاهات اذا امكن بأقل ضرر عليهم وعلى الوطن».

وكان سلام التقى في دارته في المصيطبة المنسق العام للأمم المتحدة في لبنان ديريك بلامبلي.
&