محمد اليامي

في عام 1962 أعلنت السعودية «النية» في إدخال البث التلفزيوني إلى البلاد «في الإطار الأخلاقي للمجتمع السعودي» كما جاء في بيان رسمي آنذاك، وفي العام 1965 بدأ البث الرسمي من محطتي الرياض وجدة بالأبيض والأسود، وفي العام 1975 بدأ التلفزيون السعودي في التقاط عرض الأحداث الخارجية بعد ساعات من وقوعها.

وعلى الموقع الرسمي لوزارة الإعلام كتب بعد الاستعراض التاريخي لمسيرة التلفزيون: «والحقيقة أن التلفزيون السعودي ظل طوال تاريخه، يقوم بدور عظيم في مجالات التوعية والتثقيف والترفيه والتواصل مع فئات المجتمع كافة، ويعمل على تمتين أواصر الأخوة الدينية والوحدة الوطنية»، وهو كلام إنشائي جميل يتسق وروح ما يسميه الناس «أيام الطيبين»، إذ كانت الأشياء بسيطة جداً، والتعقيدات الاجتماعية في الداخل، والسياسية من حولنا ليست بهذه الصورة.

اليوم يمر على التلفزيون السعودي نوعان من المشاهدين، الأول وهو الغالب الأعم من يريدون متابعة الأخبار المحلية بالتفصيل، وهي أخبار رسمية جداً، لكنها جزء من ثقافتنا اليومية، أو ثقافة متوسطي العمر فما فوق أن يتابعون هذه التفاصيل، والثاني هم الباحثون عن الفتاوى والمعلومات الدينية، وأستثني قناتي القرآن الكريم والسنة كونهما تنقلان من الحرمين الشريفين على الهواء مباشرة، وفي هذا لمسة جميلة لكل المسلمين الذين تروم أنفسهم هذه البقعتين الأغلى والأطهر.

أكتب عن التلفزيون لا لأنتقده، فهو أصبح «سيلفي» الانتقاد، ومن أهله، ولكن لأن استقالة زميلنا «الأكبر» عبدالرحمن الراشد فتحت التكهنات حول إمكان تسليمه حقيبة الإعلام الشاغرة، وهي تأتي بعد أشهر من إشاعة تسليمه رئاسة هيئة الإذاعة والتلفزيون، (وزارة الإعلام المستترة تحت مسمى جديد).

والحق أن زميلنا صحافي محترف بشهادة أعدائه ومنافسيه قبل مريديه، ونحن بحاجة ماسة إلى مثله ليصبح الإعلام السعودي حاضراً في الذاكرة العربية وربما العالمية، كما يستحق وتستحق مكانة البلاد.

لا نستطيع تخيل الراشد عبدالرحمن في «بشت» الوزارة أو رئاسة الهيئة، لكننا نستطيع تخيل استقطابه مستشاراً، أو صاحب رؤية، أو مقدم مشروع للتنفيذ، التنفيذ تلك الكلمة السحرية التي اشتعل منها وقود نجاحه داخل محركات الشركة السعودية الأكبر في الإعلام العربي المرئي التي عمل فيها لأعوام.

القضية ليست في شخص الراشد، فقد مر على الإعلام السعودي مهنيون ومحترفون كان يمكن أن يصنعوا الفرق لو أتيحت لهم صناعته، والقريبون من الراشد والمهنة يعلمون أنه استقطب شباباً ورجالاً كثراً من السعودية، «استوردهم» لمدينة دبي ليعملوا في منشأة سعودية، صنع منهم «رواشد» صغاراً يمكن أن يكونوا أهل التنفيذ لو أعدنا استيرادهم إلى الرياض، ليعملوا في منشأة سعودية تروم العالمية.

خطابنا الإخباري والحواري في الإعلام المرئي ضعيف، بشهادة الاستقطاب للمشاهدة، والإعلان، والكوادر المهاجرة إلى شركات محلية وإقليمية، ولعل الراشد يقبل في ما لو طلب منه أن يكون جزءاً من مشروع تقوية إعلامنا الإخباري، الذي هو جزء من إعلامنا السياسي، على أن يتم التعامل معه باحتراف، وليس بنظام «الفزعة».
&