عبدالله بن بجاد العتيبي

أصدرت دولة الإمارات العربية المتحدة قائمةً موسعةً للتنظيمات والجماعات والتيارات الإرهابية حول العالم، وهو موقفٌ يأتي اتساقاً مع الوعي المتقدم والرؤية الثاقبة التي تقرأ الإرهاب وحركاته دون تفريقٍ بين حركات الإسلام السياسي وحركات العنف الديني.


تساءلت بعض الدول الغربية في أميركا وفي أوروبا عن أسباب تصنيف الإمارات لبعض الحركات العاملة لديها بوصف الإرهاب في موقفٍ رسميٍ وبيانٍ معلنٍ ومنشورٍ، وكما أنه من حق تلك الدول أن تتساءل فمن حق الإمارات أن تجيب وتفصّل وتوضّح.

لقد صنفت دولة الإمارات جماعة «الإخوان المسلمين» كجماعة إرهابيةٍ داخلياً وخارجياً، وهو موقف معروفٌ لها وسياسة معلنةٌ تتفق فيها مع المملكة العربية السعودية والدولة المصرية، وبالتالي فهي لم تصنع شيئاً سوى تعميم هذه الرؤية وذلك الوعي المتقدم على العالم أجمع.

لقد أصبح على الدول الغربية المخدوعة بحركات الإسلام السياسي وتحديداً بجماعة «الإخوان المسلمين» أن تعي أنها المصدر الأساس لكل حركات الإرهاب المعاصرة، وقد أصبح عليها أن تعلم أن الرهان على تسليم حركات «الإسلام السياسي» للسلطة للخلاص من الإسلام المسلح بعد ما كان يعرف بـ«الربيع العربي» قد أبان عن فشلٍ ذريعٍ وعن تحالفٍ بين الإسلام السياسي والإسلام المسلح، وعن تفشي حركاتٍ أكثر عنفاً للإسلام المسلح، وأن تنظيم «الإخوان» قد فرّخ تنظيم «القاعدة»، وتنظيم «القاعدة» قد فرّخ «جبهة النصرة» و«داعش»، وعليها أيضاً أن تعلم أن إيران التي تتفاوض معها كدولةٍ تعبر عن الإسلام السياسي الأصولي الشيعي قد فرخت تنظيماتٍ إرهابية لا تقل شراً عن سابقاتها السُنية، من مثل «حزب الله» اللبناني المصنف خليجياً كتنظيمٍ إرهابيٍ ولا عن حركات العنف الديني الشيعية المتعددة في العراق ومثليتها في اليمن حركة «الحوثي».

إنها قائمةٌ تفصيلية شاملةٌ وهي تمثل الخطوة العملية التالية لتصنيفات الإرهاب والقوانين التي أصدرتها دولة الإمارات بهذا الخصوص، وهي قوانين نافذةٌ داخل الدولة وقد تمت محاكمات عدةٌ لمجموعاتٍ من الإسلام السياسي ومن الإسلام المسلح على أساس تلك القوانين وحكمت بها المحاكم وطبقتها السلطات التنفيذية في الدولة، وتصنيف الجماعات في الخارج بهذا الشمول، وهذا التفصيل يأتي استكمالاً للرؤية وتطبيقاً للوعي.

لقد رأت الإمارات في أحداث ما كان يعرف بـ«الربيع العربي» أنه ربيعٌ للأصولية والإرهاب وتحدث عدد من مسؤوليها في التعليق على تلك الأحداث في محاضرات علنيةٍ، وقد أثبتت الأيام صحة هذه الرؤية وخطأ الرؤية الغربية حينذاك وحين تتساءل الدول الغربية عن سبب تصنيف حركاتٍ لديها بأنها إرهابية فهي خطوةٌ جيدةٌ، لتتعرف هذه الدول على تفاصيل الرؤية الإماراتية.

خطوةٌ أخرى تستحق الإشادة وهي التي أعلنت عنها الإمارات من أن تلك المنظمات أو الجماعات لها حق الاستئناف لدى مؤسسات الدولة المعنية على تصنيفها وتثبت سلميتها وبراءتها مما نسب إليها ولا يخشى القانون إلا من لديه شيء يخفيه.

إن مثل هذه الرؤية الفذة والفريدة والوعي المتقدم الذي يقودها ويسيرها تستفز كل جماعات الإسلام السياسي، وبالذات تلك الموجودة في الدول الغربية، والذين انخرطوا مبكراً في المجال الأكاديمي والمجال الإعلامي والمجال الحقوقي. ومن هنا، فإنهم يستغلون تلك المنابر من أجل التهجم على الإمارات والعمل بين دهاليزها وبأساليبها بغرض الانتقام من رؤية هذه الدولة، التي كانوا إبان فترة حكمهم الأصولي يخشون من انتشارها وتأثيرها وقد وقع ما يكرهون.

كانت لجماعة «الإخوان المسلمين» علاقاتٌ قديمةٌ ببعض الدول الغربية كبريطانيا وألمانيا وصولاً لاتخاذهم أوروبا مقراً لتنظيمهم الدولي بدءاً من سعيد رمضان الذي كان له قصب السبق في افتراع فكرة إيجاد مقراتٍ دائمةٍ للجماعة في أوروبا واستغلال القوانين هناك للعمل تحت غطائها ضداً للدول العربية التي يعادونها.

مخطئ من يظن أن المعركة مع جماعات «الإسلام السياسي» وجماعات العنف الديني، يمكن أن تنتهي قريباً دون تعبٍ ودون مشقةٍ، إنها معركةٌ طويلةٌ ومضنيةٌ ولكن لا مفر من خوضها والانتصار فيها بالعقل والحكمة المقرونة بالصبر والتخطيط وطول النفس، إنها ليست معركةً سياسيةً فحسب بل هي معركةٌ لإنقاذ الإسلام نفسه من حجم التشويه الهائل الذي جنته عليه هذه الجماعات بخطاباتها المتشددة ومفاهيمها المتطرفة واستغلالها البشع للدين لخدمة أهدافها السياسية.

إن غض الطرف عن حجم النموذج التنموي المبهر في الإمارات من قبل بعض المؤسسات الغربية أكاديمياً وإعلامياً وحقوقياً إنما يكشف عن مدى التحيز المسبق وافتقاد التوازن في الرؤية، وسيخسر المنحازون بغير حقٍ وفاقدو التوازن وستبقى نجاحات الإمارات تتحدث عن نفسها.
&