الياس حرفوش
&
اسمحوا لي أن أسرق اهتمامكم قليلاً هذا الأسبوع عن مجازر «داعش» وبراميل بشار الاسد، وعن مفاوضات النووي الإيراني، لتحويل نظركم الى ما يرتكبه بنيامين نتانياهو وما ينويه في المستقبل بحق الفلسطينيين الذين يعيشون في إسرائيل، وبحق الفلسطينيين المحاصرين بالمستوطنات في القدس وأراضي الضفة الغربية.
&
من حيث الشكل قد يقال إن مشروع القانون الذي أقرته حكومة نتانياهو في جلستها الأخيرة نهار الأحد الماضي لجعل إسرائيل «دولة للشعب اليهودي» لا يغير شيئاً من واقع الحال بالنسبة الى الفلسطينيين الذين يعيشون في تلك الدولة، والذين يعرفون منذ زمن بعيد حجم الكذب والخداع خلف مقولة المساواة في الحقوق للعرب واليهود في إسرائيل، والزعم بحصول العرب على حقوقهم الكاملة كمواطنين، في المشاركة في الاقتراع وحتى في إمكان الوصول الى مقاعد «الكنيست». فهؤلاء كانوا يدركون ان هذا الستار «الديموقراطي» يخفي مشروعاً لاستقطاب الأقلية العربية في إسرائيل الى الهدف الحقيقي لقيام الدولة باعتبارها دولة لليهود، والاعتراف بروايتها التاريخية المزعومة عن نشأتها، والتي يتم تدريسها للطلاب العرب واليهود على السواء. كان الفلسطينيون الذين بقوا في إسرائيل بعد مجازر 1948 يعرفون أيضاً ان التهجير وإفراغ المدن والقرى اللذين تعرض لهما مَن أصبحوا لاجئين في ما بعد، وفي مقابل ذلك فتح باب العودة والجنسية لكل يهودي قادم إلى إسرائيل من جهات الأرض الأربع، كانوا يعرفون أن كل ذلك لا يهدف سوى خدمة عملية «التنظيف» الجارية لمن تجرأ من الفلسطينيين على البقاء داخل حدود «دولة اليهود».
&
ما يفعله نتانياهو اليوم يمكن ان يكون أصدق تعبير عن حقيقة أهداف المشروع الصهيوني منذ قيامه على أرض فلسطين. بهذا المعنى لا بد من اعتبار القرار الأخير لحكومته بأن «الحقوق القومية على ارض إسرائيل هي للشعب اليهودي وحده» قراراً إيجابياً، فهو ينزع ورقة التوت التي كانت تغطي تلك العورة العنصرية الباقية في جسد العالم.
&
يسوّق رئيس وزراء إسرائيل قراره العنصري بالقول إن إسرائيل ستحافظ على ما سماها «الحقوق الشخصية» للمواطنين العرب. لكن حتى هذه الحقوق تصبح بلا قيمة عندما تتعارض مع «الحقوق القومية» التي يحصرها مشروع القانون الجديد باليهود. فإذا تمت إدانة أي فلسطيني بالهجوم على يهودي في إسرائيل تكون النتيجة الطبيعية هي خسارة الفلسطيني بيته وحقوقه وجنسيته الإسرائيلية، إذا كان قد حصل عليها.
&
يتذرع نتانياهو بأن حكومته اضطرت الى اتخاذ قرارها الأخير في مواجهة العمليات التي يتعرض لها اليهود، والتي بلغت حد الهجوم على الكنيس في القدس. لكن هذه الذريعة لم تنطلِ حتى على بعض أعضاء حكومته نفسها، مثل تسيبي ليفني ويائير ليبيد، ولا على بعض المسؤولين في أجهزة الاستخبارات، الذين كانوا أبعد نظراً من رئيس حكومتهم، لأنهم أدركوا خطورة الطريق التي يقودهم إليها نتانياهو، لأنها طريق تقود الى العزلة الدولية والى تكريس نظام الفصل العنصري بصورة قانونية، وهو ما لا تستطيع أي دولة حليفة لإسرائيل، إذا كانت تحترم نفسها وتلتزم بقواعد القانون الدولي، أن تدافع عنه.
&
لو كانت هناك درجة قليلة من الوعي لدى من يقودون إسرائيل اليوم لكان من واجبهم أن يسألوا أنفسهم: لماذا صارت الدولة، التي قالوا إنها قامت لحماية اليهود من الإبادة التي تعرضوا لها على يد النازيين، عاجزة عن حمايتهم وهم يؤدون الصلاة في معابدهم أو يتجولون في شوارع مدنهم، مع أنه قيل لهم إنها ملاذهم الأخير والمكان الوحيد الذي يستطيعون أن يعيشوا فيه بأمان؟
&
الجواب بالطبع هو أن الدولة التي تقوم على سلب أراضي الآخرين وحرمانهم حقوقهم والاعتداء على أهلهم وبيوتهم ومقدساتهم لا تستطيع أن تعيش على حرير الأمان الى الأبد. لا بد أن ينهض المظلومون ذات يوم ويرفعوا الصوت مطالبين بإنهاء الظلم. وما تفعله القرارات العنصرية الأخيرة التي أقرتها حكومة نتانياهو هو أنها تعجّل في رفع هذا الصوت عند من لا يزال صامتاً الى اليوم.
&
هل هناك أحد في إسرائيل اليوم يملك شجاعة المجاهرة بهذا الجواب؟