بيروت - من ليندا عازار: «لا شيء يعلو فوق صوت الحوار»، هكذا يبدو المشهد في بيروت بعدما انكفأت الملفات «الساخنة» عن «العدسات»، من العنوان الأمني المتشابك مع الأزمة السورية والحرب على «داعش»، الى قضية العسكريين المخطوفين لدى «الدولة الاسلامية» و«جبهة النصرة»، وصولاً الى الحملة على «الفساد الغذائي».
&
وحدها العاصفة «ميشا» التي حملتْ اوّل سنتيمترات من الثلوج والتي تتجدّد اليوم، نجحتْ في «منافسة» الحوار الذي تتكثف المساعي لإطلاقه ثنائياً على خط «حزب الله» و«تيار المستقبل» والذي ما زال يخضع لعملية تحديد دقيقة لـ «قواعده» و«جدول أعماله» قبل ان يفتح الطريق امام تواصل «وجهاً لوجه» بين الجانبين على مستوى رفيع ولكن ليس على مستوى الصف الاول.
&
وفي غمرة التحضيرات لهذا الحوار الذي سيبلور «خريطة الطريق» اليه زعيم المستقبل سعد الحريري، تبرز نقاط في الشكل والمضمون تتعلّق به وهي:
&
* في الشكل انه يأتي بمعزل عن مآل مفاوضات فيينا النووية التي كانت تتجه امس الى التمديد، وايضاً عن مناخ التصعيد السعودي بوجه طهران في مجلس الامن حين طلبت فرض عقوبات على «حزب الله» وإدراجه ضمن التنظيمات الارهابية لتورُّطه بالقتال في سورية، وانه يوضع في خانة إما تحضير الأرضية لملاقاة اي تفاهمات خارجية يمكن ان تحصل في مرحلة ما، وإما لتشكيل «مانعة صواعق» للوضع اللبناني بإزاء أي تعقيد إضافي في الواقعين الإقليمي والدولي.
&
* أما في المضمون، فتحاذر دوائر سياسية مطلعة إبداء تفاؤل حيال امكان بلوغ تفاهمات «مقرِّرة»، معتبرة ان ملف الانتخابات الرئاسية يبقى هو العنوان الرئيسي لهذا الحوار اذا انطلق، ولافتة الى ان القضايا الخلافية الاخرى بين «المستقبل» و«حزب الله» ولا سيما سلاح الحزب وانخراطه في الحرب السورية هي محور «ربْط نزاع» داخل الحكومة منذ تشكيلها وبالتالي لا يوجد وهم لدى «المستقبل» بإمكان تحقيق تقدم على صعيد ايّ من هذين الملفين.
&
وتشير هذه الدوائر تالياً الى ان الاستحقاق الرئاسي هو لبّ اي حوار علماً ان الحريري كان كرر في كلمته الاخيرة لمناسبة الاستقلال «خريطة الطريق» التي تحمي لبنان على قاعدة «المبادرة دون أدنى تأخير لإجراء مشاورات للتوافق على انتخاب رئيس للجمهورية، يضع في أولوياته إحياء الحوار الوطني وتعطيل ألغام الفتنة، وفك الاشتباك الأمني والعسكري مع الحرب السورية».
&
وتلاحظ الدوائر السياسية نفسها تبعاً لذلك ان «حزب الله» ربما يفضّل علناً ان يُترك للحوار عنوان تخفيف الاحتقان المذهبي تفادياً لإحداث «نقزة» لدى حليفه العماد ميشال عون الذي لم يخفِ توجسه من تسوية ما في الملف الرئاسي على حسابه، وهو كرر امس بعد اجتماع استثنائي لكتلته اعتبار ان المواقف السلبية لبعض الكتل النيابية من اقتراحات تقدم بها للملف الرئاسي وآخرها حصر الترشيح بالممثليْن الأقوييْن لدى المسيحيين «تدلل بما لا يقبل الشك على استمرار ثقافة تجاوز الدستور وعقلية الهيمنة على حقوق المسيحيين واستمرار نهج التسويات على حساب الدستور».
&
وترى الدوائر عيْنها انه اذا جرى الاتفاق على جدول اعمال الحوار، فليس بالضرورة ان يفضي الى تفاهم في الملف الرئاسي الا اذا نجح التواصل الايراني - الفرنسي في حضّ طهران على مقاربة مختلفة لهذا الملف تسمح بتمريره على القاعدة نفسها لتشكيل الحكومة اي من دون تنازلات في «الاستراتيجي». ولكن الدوائر تلفت في الوقت نفسه الى حساسية ظهور الكتلتين المسلمتين الكبريين وكأنهما تتوليان بت استحقاق يفترض ان يكون مسيحياً وفق التوزيع الطائفي للمناصب في لبنان.
&
واذا كان «تيار المستقبل» وفق ما اعلن الرئيس فؤاد السنيورة في تصريح صحافي يعطي مرحلة التحضير للحوار مداها و«لا يمكن بعد، القول ما إذا كان هناك تقدم ام لا على هذا الصعيد»، برز قول المعاون السياسي للأمين العام لـ«حزب الله» الحاج حسين الخليل «ان المهم الاتفاق على جدول الأعمال، خصوصا وأن الرئيس بري يعمل على إنضاج شيء ما، لا يجوز استباقه».
&
النائب في كتلة «المستقبل» الدكتور احمد فتفت، حرص عبر «الراي» على تأكيد ان الحوار ما زال ينتظر جدول الاعمال، لافتاً الى «اننا لا نضع شروطاً مسبقة، ولكن من الطبيعي ان يكون ملف الانتخابات الرئاسية مدخلاً اساسياً لتحصين الوضع اللبناني في هذه المرحلة الخطيرة»، وموضحاً ان «من المهم ايضاً إبعاد لبنان عن التداعيات المذهبية للصراع الدائر في المنطقة».
&
واذ اشار فتفت الى ان الرئيس الحريري سيتولى الخميس رسم الإطار الرئيسي للمرحلة المقبلة ومقاربته لملف الحوار الذي «يجب الا يكون مجرد حوار للحوار لان اي حوار بلا نتائج يرتّب انعكاسات سيئة»، رفض اعتبار ان انطلاق مثل هذا الحوار وتطرّقه الى الملف الرئاسي سيكون على حساب المسيحيين ودورهم المقرر في هذا الملف وقال: «حزب الله» هو من معطّلي الاستحقاق الرئاسي، واذا استطعنا كسْر هذه الحلقة باتجاه الافراج عن هذا الاستحقاق فهذا امر سيكون ايجابياً، ولكن يجب الاشارة الى ان اي بحث في هذا الملف لن يكون على قاعدة ان نقرر مَن هو الرئيس، فتيار «المستقبل» ليس في وارد اتخاذ اي قرار في الانتخابات الرئاسية بمعزل عن التنسيق مع حلفائه المسيحيين في 14 آذار».