أحمد يوسف أحمد
&
في الثامن عشر من نوفمبر الجارى قتل شابان فلسطينيان خمسة مستوطنين إسرائيليين وأصابا سبعة بإصابات خطيرة في هجوم على معبد بالقدس الغربية، وتبنى الجناح العسكري لـ«الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» العملية ، وباركتها «حماس» و«الجهاد» فيما أدانتها السلطة الفلسطينية. لم تأت هذه العملية من فراغ فقد شهدت الشهور الأخيرة تصعيداً واضحاً في الممارسات الهمجية الإسرائيلية ضد فلسطيني القدس بصفة خاصة سواء من قبل سلطات الاحتلال أو قطعان المستوطنين، وأدى هذا إلى ردود أفعال من الشباب الفلسطيني على نحو بشَّر بانتفاضة جديدة يحتاجها نضال الشعب الفلسطيني من أجل استرداد حقوقه، وكان لافتاً أن بشائر هذه الانتفاضة تضمنت أعمال عنف ضد مدنيين إسرائيليين تمثلت أساساً في عمليات دهس بالسيارات وقتل بأسلحة نارية وحادة أسفرت منذ مارس الماضي عن مقتل خمسة عشر إسرائيلياً، ويلاحظ أنه بينما كان متوسط العمليات الفلسطينية منذ مارس وحتى أكتوبر الماضي واحدة أو اثنتين في الشهر، فإن عددها قد بلغ حتى الآن خمس عمليات في شهر نوفمبر وحده، مما يعني أنه من المرجح أن مزيداً من التصعيد الفلسطيني سيحدث في الفترة القادمة طالما استمرت السياسة الإسرائيلية على ما هي عليه. وقد أعاد هذا إلى الجدل مجدداً قضية استهداف مدنيين إسرائيليين في سياق عمليات المقاومة.
&
عندما زاد هذا الاستهداف ثار الجدل واسعاً حول مشروعية ذلك وجدواه في الساحة الفلسطينية خاصة والعربية عامة، وانقسم الرأي ما بين مؤيد لهذا الاستهداف ومعارض له. أما المؤيدون فكانت حجتهم أنه رد على العمليات العسكرية الإسرائيلية الهمجية ضد أبناء الشعب الفلسطيني، والتي تسقط من جرائها ما بين شهيد وجريح أضعاف مضاعفة لأعداد القتلى والمصابين في عمليات استهداف المدنيين الإسرائيليين، كما أن هذا الرأي يتبنى مقولة مؤداها إن مفهوم المدنيين لا ينطبق على المجتمع الإسرائيلي، فهو برمته مجتمع استعماري عسكري يتسم كل فرد فيه بالصفة نفسها، وبالتالي فإنه هدف مشروع للنضال التحرري الفلسطيني، غير أن المعارضين لاستهداف المدنيين استندوا إلى حجتين أولاهما إنسانية والثانية سياسية. أما الأولى فهي أنه أياً كانت مبررات هذه العمليات فإنها لا يمكن أن تبرر قتل طفل على سبيل المثال، وأن هذه العمليات تساوي بين السلوك الإسرائيلي اللاإنساني وبين سلوك شعب متحضر يناضل من أجل استرداد حقوقه، وهو ما لا يليق بالأهداف السامية لنضال هذا الشعب، ومن الناحية السياسية، فإن هذه العمليات تعقبها عمليات إسرائيلية مضادة توقع بأبناء الشعب الفلسطيني من الخسائر في الأرواح والجرحى ما لا يمكن مقارنته بنتائج العمليات الاستشهادية الفلسطينية.
&
كما أن إسرائيل تستغل هذه العمليات بمنتهى البراعة كي تزيد انحياز دوائر الرأي العام العالمي وبالذات في أوروبا والولايات المتحدة لسياستها، وكان موقفي مع الاقتناع الكامل بمبررات هذه العمليات أميل إلى موقف الرافضين لاستهداف المدنيين والمطالبين بالتركيز في هذه العمليات على الأهداف العسكرية وحدها، لكنني في هذه الواقعة الأخيرة أشد إصراراً على موقفي هذا، ذلك أن متغيرات جدت على المناخ المحيط بالنضال الفلسطيني، فلاشك أن إمعان إسرائيل في سياستها الهمجية الوحشية تجاه أبناء الشعب الفلسطيني تدفع عديداً من الدول الأوربية المهمة إلى مراجعة مواقفها من إسرائيل، ويكفي أن نشير في الشهور الأخيرة إلى التطورات التي بدأت بإعلان السويد اعترافها بدولة فلسطين وتلا ذلك اتخاذ مجالس السلطة التشريعية في كل من بريطانيا وأيرلندا وإسبانيا قرارات غير ملزمة للحكومة بالاعتراف بدولة فلسطين وتشير التقارير إلى أن الجمعية الوطنية الفرنسية ماضية في الاتجاه نفسه، وقد سبق لعدد من دول أميركا اللاتينية أن اتخذت مواقف صارمة ضد إسرائيل ومع حقوق الشعب الفلسطيني.
&
ولدي تصور مؤداه أن التغير في المواقف الدولية على هذا النحو يمكن، إذا أحسنَّا الأداء كفلسطينيين وعرب، أن يؤدي في خلال عقد إلى عقدين إلى بلورة موقف يذكرنا بالموقف الدولي قبيل تصفية النظام العنصري في جنوب أفريقيا في تسعينيات القرن الماضي بما يجعلنا قادرين على التوصل إلى تسوية متوازنة للصراع. فيا شباب النضال في فلسطين: مارسوا حقوقكم المشروعة في مواجهة الكيان الصهيوني الغاصب، ولكن لا تجهضوا إرهاصات موقف دولي جديد سيكون معيناً لكم على استرداد حقوقكم السليبة.