محمد خلفان الصوافي
&
قرأت - كما قرأ غيري- النقد الحاد والاعتراضات التي وجهتها بعض الجماعات الدينية السياسية ضد القائمة التي أصدرها مجلس الوزراء في دولة الإمارات، والتي تصنف الجماعات الإرهابية في العالم، والتي بلغت 84 اسماً.
&
وطالب بعضها بحذفها من القائمة والاعتذار له، لكن أغلب المراقبين اعتبروا إصدار القائمة حالة عالمية متقدمة وغير مسبوقة، لكن من منطلق موضوعي أقول، إن تصنيف الإمارات، ينطلق من خوفها على الدين الإسلامي والمسلمين في العالم أكثر من كونه موقفاً سياسياً إزاء تلك الجماعات؛ وذلك على اعتبار أن الكثير من الإشكالات التي تحدث اليوم على أرض الواقع، تسيء إلى الدين الإسلامي والمسلمين أكثر مما تخدمهم؛ والسبب هو جماعات الإسلام السياسي بمختلف طوائفها وأماكن وجودها، فأصحاب هذه الجماعات يستغلون الدين في تشويه أفكار الناس، وتحقيق مصالحهم السياسية.
&
أما ردود الفعل التي أعقبت إعلان القائمة، فأعتقد أنها أمر طبيعي، وهي ردود فعل متوقعة،وحتى تلك الردود المثيرة للسخرية من جانب الذين ستتضرر مصالحهم السياسية، لم تكن مفاجأة لصانع القرار الإماراتي؛ ومن ثم أعتقد أنه كان هناك استعداد لكيفية التعامل مع هذه المواقف.
&
وكعادة الإمارات في قراراتها، فهي تراهن على مصلحة الشعوب، وتعمل جاهدة على وقف التلاعب بالإنسان العربي والمسلم، وكما نعلم، فإن أغلبية الشعوب العربية لم تعد ترغب في التجربة السياسية التي تقوم على استغلال الدين في خدمة «الجماعة» أو خدمة أجندات خارجية باسم الدين.
&
وقد تكون التجربة المصرية، ومعها التجربة التونسية؛ هما الأكثر وضوحاً لأنهما حسمتا الموقف، أما الحالات الأخرى، مثل الحالة الليبية، والحالة اليمنية، فتسير على الخط نفسه.
&
أما في المجتمعات الغربية، فإن الإنسان المسلم يعيش حالة من الانفصام في الشخصية؛ نتيجة للأفكار التي يسمعها ممن يأتون بأيديولوجيات دينية، ويحاولون زرع الكراهية عن طريق تكفير «المجتمع الجديد» الذي يعيش فيه؛ ومن ثم تجد المسلم، إما مهدداً في «بلده الجديد»، أو معزولاً نتيجة للخوف منه! وهنا تجده يفصل نفسه عن المجتمع، فيكون في حالة عزلة، وهذا ما يؤدي بالنتيجة إلى ما نسمع عنه من مشاركة مواطنين غربيين في الجماعات المتطرفة، لذلك لا تستغرب عندما تعلم أن الشباب المسلم يتم اختطافه بوسائل التواصل الاجتماعي؛ لأنه يعيش واقعاً افتراضياً، حيث يوجد «متاجرو الدين».
&
والغريب أن الذين أثارت حفيظتهم القائمة الإماراتية لم يثرهم ما يحدث للدين الإسلامي والمسلمين من كوارث تمس الدين الإسلامي وتسيء إليه، فالقائمة التي أظهرتها الإمارات في الواقع، ليست إلا لمنع الكوارث التي يتسبب فيها بعض الناس ضد الإسلام والمسلمين؛ ومن ثم، فالتوقعات تشير إلى أن هناك الكثير من الغيورين على الإسلام ممن سيدافعون عن القائمة، لكن كما اعتدنا، فإن «الاستشراف الإماراتي» يحتاج إلى وقت حتى يعرف الآخرون صحة موقفه،«التردد» والقلق صفة السياسة العربية منذ زمن، وقد تسبب في خسران العرب الكثير من الاستحقاقات.
&
وقد حدث ذلك مع صدام حسين، ومع «الإخوان» بعد خطفهم لما كان يسمى «الربيع العربي»،وفي التحليل السياسي، من المستبعد أن تتخذ دولة مثل هذا القرار الجريء من دون دراسة موقف كل حركة أو جماعة، ومن دون أن تجمع معلومات عنها، فالإمارات دولة فاعلة في السياسة الدولية وتدرك ما تفعله.
&
كما أن مثل هذا القرار (ولو نظرياً)، لابد أنه قد تمت مناقشته مع جهات أخرى في الدول التي توجد فيها تلك الجمعيات، لكن الفرق فقط هو أن الإمارات قررت أن تكون واضحة في مواقفها، وأن تسمي الأشياء كما هي؛ فالمواجهة الحقيقية للأخطار التي تهدد المجتمعات، هي عدم المواربة في قول الحقيقة وإعلان الموقف.
&
أختم حديثي بنقطتين: الأولى، أن هناك خلطاً عند البعض حول موقف الإمارات بين الإسلام كدين، وبين الجماعات السياسية التي تستخدم الدين وسيلة لتحقيق مصالحها، وهذا الخلط يتبعه من يدعون الإسلام، لكن ينبغي التفريق وفك الارتباط بين الاثنين.
&
النقطة الثانية، أن سياسة الإمارات لا تعرف المحاباة ولا تخاف من اعتادوا على الصيد في الماء العكر، وعلى عقد اتفاقات سرية تنكشف بعد زمن.
&
الإمارات تفضل الوضوح في التعامل؛ لأن ذلك يساعد على فهم ما يحدث حتى لو أغضب بعضهم.