عاطف الغمري
&
فيض من الكتابات لخبراء ومؤلفين أميركيين، يتوالى، وكلهم يتحدثون عن التناقضات، في إدارة أوباما، ومواقفها ما بين سياسة الحرب على الإرهاب، وبين الدعم للإرهاب من الباب الخلفي، طالما تلاقت ممارسات منظمات إرهابية مع مصالحها .
&
ويتم ذلك وفق استراتيجية أميركية، تستهدف إحداث صراعات في المنطقة، تمتد لسنوات مقبلة، عبر مشكلات على الحدود، وفوضى داخلية، تصب كلها في طريق التمكين من السيطرة على المنطقة، وخدمة أهداف "إسرائيل" .
&
وتشارك في الاستراتيجية الأميركية بعض الأطراف الإقليمية، حتى ولو كانت خصوماً لأميركا كإيران، التي تساند هذا الدور في الخليج، وتركيا بدورها في سوريا .
&
وسوف استعرض نصاً، لبعض من هذه الآراء والتقارير الأميركية . الكاتب فيكتور ديفيز هدسون يقول إن حرب إدارة أوباما على الإرهاب، أصبح من الصعب توصيف هويتها . فهي سياسات متناقضة، وإن مبدأ هذه الحرب يتضارب مع سياسات الحكومة . وعلى سبيل المثال، فإن المتطرفين الذين يمارسون العنف في مصر وليبيا، كانوا قد لقوا دعماً من إدارة أوباما سهل لهم الوصول إلى السلطة .
&
الكاتب بيل جيرتز قال: إن تهديدات "تنظيم القاعدة" لا تزال موجودة، وأن مسؤولاً أميركياً قد وجه اللوم لإدارة أوباما لتركيزها في مكافحة الإرهاب، على "تنظيم القاعدة" فقط، من دون استهداف إرهابيين في مناطق محلية أخرى، بحيث إن سياسة حكومة أوباما قد أضعفت جهود مكافحة الإرهاب . وهي السياسة التي حاولت أن تفصل بين "القاعدة"، وبين غيرها من المنظمات الإرهابية الأخرى، وهو ما أدى إلى تكاثر المنظمات الإرهابية المحلية .
&
وأشار الكاتب إلى تقرير جديد صادر عن أحد أجهزة المخابرات في الولايات المتحدة، جاء فيه أن سياسة إدارة أوباما، قيدت من الحرب على الإرهاب، ما أسفر عن ظهور منظمات إرهابية تعمل بطريقة لا مركزية، خارج المظلة المركزية القديمة للقاعدة، وهو ما شهدنا مظاهره في معسكرات تدريب تنشر في دول عربية وفي إفريقيا، تبعتها عمليات إرهابية كثيرة .
&
وفي الوقت نفسه عقدت الوكالة المختصة بالجريمة الفيدرالية في ألمانيا، مؤتمراً في روسيا، تحدث فيه مدير الوكالة يورك زيرك وقال: إن "القاعدة" ومنظمات إرهابية أخرى، نقلت نشاطها من أفغانستان، وباكستان، إلى سوريا، وليبيا، واليمن، ومصر، وشمال إفريقيا، مستغلة أجواء فوضى ما بعد الربيع العربي .
&
وإن حكم جماعة الإخوان في مصر، قد أوجد مناخاً ملائماً يسمح بوجود عناصر "القاعدة" في مصر . كما نقل عن مسؤول بالمخابرات المركزية تقرير عن مصر، جاء فيه: أن عناصر من "القاعدة"، شاركت في تنفيذ هجمات في جامعة الأزهر، وهي الجامعة التي يدرس بها طلاب من جنسيات أجنبية مختلفة .
&
وتحدث التقرير عن عملية انتقال عناصر من "القاعدة" إلى سيناء، وأن مسؤولاً أميركياً ذكر في شهر مايو/أيار الماضي، أن عناصر من "القاعدة"، تجري تدريبات على السلاح في جبال سيناء، وأن برنامج الحكومة لمكافحة الإرهاب، قد أسيء تنفيذه، لأن "القاعدة" لم تعد هي الجبهة الأمامية لما يسمونه بالجهاد، ولكن "الإخوان" هم من يحتلون هذا الموقع الأمامي للإرهاب .
&
إن سياسة الفصل بين "القاعدة" و"الإخوان"، كانت موضع اهتمام، الكثير من الدراسات الأميركية، المتخصصة في موضوع الإرهاب . وكان التبرير الذي تقدمه الإدارة الأميركية لهذا الفصل، هو وصفها ل"الإخوان" بأنهم يمثلون ما يصفونه بالإسلام المعتدل . وهذا التعبير ظهر بقوة، عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول ،2001 وهو ما تحدثت عنه قيادات في إدارة جورج بوش، بأنهم يمكن أن يستخدموا "الإخوان"، في الحد من تطرف وإرهاب "القاعدة"، ومن ذلك اليوم أخذت العلاقة تقوى بينهما .
&
وفي عام 2005 نظمت إدارة بوش مؤتمرات في أوروبا بين مسؤولين بالخارجية، والمخابرات المركزية، وممثلين عن منظمات في أميركا وأوروبا معروفة بانتمائها كلية للتنظيم الدولي للإخوان، وإن كانت تحمل أسماء أخرى، من أجل التنسيق بينهما بشكل تبادلي، يتضمن مساعدة "الإخوان" في يوم ما مناسب، على الوصول إلى الحكم في مصر وغيرها، مقابل تعهد "الإخوان"، بأن يكونوا في خدمة المصالح الاستراتيجية الأميركية، وضمان متانة العلاقة مع "إسرائيل" .
&
وهو ما أعقبه إعلان كوندوليزا رايس في مؤتمر بالجامعة الأميركية بالقاهرة عام ،2006 بقولها: نحن لا نمانع في وصول الإسلاميين إلى الحكم .
إن العلاقة بين "الإخوان" والمخابرات المركزية، لم تكن وليدة عام ،2001 لكنها علاقة ممتدة إلى سنوات ماضية، تعود إلى أيام حكم الرئيس أيزنهاور عام ،1953 وهي حقيقة مسجلة في الوثائق الرسمية للبيت الأبيض .
&
لهذا، فإن استخدام الولايات المتحدة ل"الإخوان"، الذين يديرون جهازاً سرياً، يحرك مليشيات مسلحة، تمارس الإرهاب، بالتنسيق مع منظمات إرهابية أخرى، من بينها تنظيم "القاعدة"، قد خلق هذا التناقض الظاهر للأميركيين أنفسهم، في إدارة أوباما لسياساته تجاه الإرهاب . كما أن التناقض ظهر علنا في موقف الإدارة الأميركية، تجاه الأحداث الجارية في مصر، من تعاطف متحيز ل"الإخوان"، بالرغم من ممارساتهم الظاهرة للإرهاب في شوارع مصر، وسفكهم دماء الأبرياء، من دون وازع من الضمير أو الدين الإسلامي الذي حرم قتل النفس، وظهور مليشيات "الإخوان" المسلحة المدربة، التي كانت عبارة عن جهاز إرهابي كامن، كشف بقوة عن ممارساته الدموية، عندما وجدوا أن خطة التمكين التي ساعدهم عليها أوباما، قد فشلت، وأسقطت حكمهم الفاشي الفاشل.