بيروت - زهير قصيباتي: لبنان نموذج «الربيع العربي» الجديد في الثورة على الفساد؟
&
بعد إيبولا وإنفلونزا الطيور، وباء الفساد سيد في بقاع كثيرة من العالم، من أميركا إلى روسيا بعد إيطاليا واليونان، و «إمبراطور» في دول عدة من مشرق العرب إلى مغربهم. التهم ثورات في «الربيع العربي»، أليس الاستئثار بما بقي من الدولة والسعي إلى توزيع ثرواتها على مَنْ كانوا ثواراً بالأمس القريب، وقضم الأراضي ومنشآت النفط والغاز، فساداً لا يقل ضراوة عن أنظمة استبداد بادَت في «الربيع»؟
&
لكن الوباء ليس حكراً على العرب، وقد يُقال إن بدايات الألفية الثالثة دُمِغَت بغياب القادة الحكماء في العالم، إلا باستثناءات نادرة وباستشراء فيروس الفساد الذي لم يستثنِ شيئاً، من مؤسسات دول وزعامات وأجهزة قضاء ومصارف، وحتى جامعات ومدارس ومستشفيات. وحيث تسود الدول الفاشلة، لا ينفع حديث عن فساد «أمراء حرب» وقادة تنظيمات وجماعات، بعضها يبتز البشر بأموالهم وأرواحهم، ويتاجر بها.
&
وللفساد في المنطقة نُسخ مطوّرة، كلها يدكّ الثقة بكل شيء. ليست على شاكلة حكايات رئيس الوزراء الإيطالي السابق سيلفيو بيرلوسكوني، ولا صديقه في حفلات المجون معمر القذافي... ليست من نوع أميركي حيث تتلاعب مصارف كبرى بسعر العملات، ولا تقتدي بحيتان المال في روسيا.
&
وبعيداً من نظريات المؤامرة التي واكبت الأزمة المالية العالمية عام 2008، وتبخّر البلايين من الثروات العربية، قد يكون في لبنان، نموذج فريد للثورة من فوق على شبكات مافيات خفية، تمتص أرواح اللبنانيين ودماءهم، في بلد كان دائماً وطناً سياحياً بامتياز... لكن أبناءه باتوا سياحاً جيوبهم خاوية، ومعدتهم ملوثة، وعقولهم حائرة بين الانتماءات الحزبية وسقف الدولة المنهار.
&
والسؤال ما أن حلّت عواصف الشتاء على «السياح» اللبنانيين وضيوفهم السوريين المشرّدين، لماذا انحسرت عاصفة «الثورة» على الفساد بعدما أطلقها الحزب التقدمي الاشتراكي بزعامة النائب وليد جنبلاط، ممثلاً بالوزير الصاعد وائل أبو فاعور؟
&
لا يمكن أحداً ممن اكتووا بنار الغلاء والغش والتزوير، إلا أن يكون مع الوزير الذي يحرّض اللبنانيين جميعاً على اقتلاع شبكات الفساد. لكن بعضهم يتساءل عن الهدف الذي يسعى إليه جنبلاط وهو «يخطف» برنامج المرشح الرئاسي الصامد العماد ميشال عون، الذي لم يتراجع لحظة عن شعار مكافحة الفساد، رغم أقاويل عن مقربين من تياره أو منخرطين. فليتخيّل الجميع أن دولة خدمات، راهنت عقوداً على عائدات السياحة، تعترف بأن لحوم اللبنانيين فاسدة مثل أدويتهم وبأن مياههم ملوّثة كالهواء، وما يشترونه من مياه لا يعرفون مصدره ولا هوية مَنْ يبيعه.
&
قد يغضب الجنرال مِنْ فعلة الوزير أبو فاعور، لكنه ما زال صامداً في مواجهة «الحكيم» سمير جعجع، وربما يخبئ في برنامجه الرئاسي ما لا يعرفه أحد. وشكوى اللبنانيين عموماً باتت تندّراً لأن الوزير الذي يكشف المستور لم يترك لهم شيئاً للتذمّر! «ثورة» وقائية إذاً، أم عودة إلى «المؤامرة» الخفية، أم مسعى حميد لامتصاص غضب الشباب من برلمان يجدد شبابه؟
&
لعل وزير الصحة اختار أن يداوي بالتي كانت هي الداء، رغم استياء كثيرين من نشر الغسيل، لكن الوقائع في كل الأحوال أن البلد بات بحاجة للجنة تَحصُرُ قنوات الفساد أولاً، وللعلم فقط. لحم فاسد، أدوية مغشوشة، فواتير مزوّرة وأخرى وهمية، بضائع مقلّدة صُنِعت خصيصاً لوطن الخدمات... هواء ملوّث، جيوب خاوية كقصر الرئاسة.
&
وبين فقدان المناعة في جسد الدولة، والصبر كما يقول بعضهم لحصد عائدات الممانعة على الأرض السورية، لا يبقى للبنانيين إلا تحريض الوزير على المزيد، على الأقل بانتظار «معجزة» في زمن «ربيع الفساد»، والثورة الصاخبة من فوق.
&
ولكن، بين المزايدين على ثورة الوزير مَنْ يعتبر العاصفة زوبعة في فنجان، لأن «الوقت حان من زمان لتوأمة العراق ولبنان: مرض محاصصة طائفية حصنٌ للتلاعب، ووباء فساد يضرب في كل الاتجاهات».