محمد عارف
&
«أرتعدُ جزعاً على بلادي عندما أفكر بأن الله عادل». قال ذلك توماس جيفرسن، ثالث رئيس للولايات المتحدة، عندما لم تكن بلاده آنذاك قد دَمَّرت هيروشيما بالقنبلة الذرية، أو أبادت ثلاثة ملايين فيتنامي، أو شرّدت وجرحت وقتلت ملايين العراقيين والأفغان، ولم تكن قد أصبحت القوة العظمى التي تغطي نفقات جرائم حرب إسرائيل ضد العرب. كتاب الباحث الأكاديمي الفلسطيني رشيد الخالدي، «سماسرة الخداع»، يعرض «كيف دَمّرت الولايات المتحدة السلام في الشرق الأوسط»، ودور واشنطن الأساسي في إحكام سيطرة إسرائيل على فلسطين، و«إنشاء نظام بالغ الدقة، والإحكام لإقصاء الفلسطينيين، ونفيهم، وحصارهم، وإنكارهم».
&
وتكمن أهمية الكتاب في أن مؤلفه أستاذ كرسي «أدوارد سعيد للدراسات العربية الحديثة» في جامعة «كولومبيا» بنيويورك، وتربطه علاقة صداقة عائلية قديمة مع أوباما خلال زمالتهما في جامعة شيكاغو، ولعب دوراً مهماً في حشد الجالية العربية في الولاية لتأمين فوزه في انتخابات الكونجرس. وكان أوباما يحضر خلال مرحلة تعليمه الأولية في جامعة كولومبيا فصلاً باللغة الإنجليزية يشرف عليه إدوارد سعيد، ونشرت صحيفة «الانتفاضة الإلكترونية» التي تصدر بالإنجليزية صورته مع الخالدي وزوجته منى وأدوارد سعيد، ويتذكر بالعرفان لقاءاته العائلية على العشاء الذي تعده زوجة الخالدي، ويذكر أن أحاديثهما فتحت عينيه على أشياء كثيرة، وجعلته يدرك انحيازاته، «ولهذا السبب آملُ في أن نواصل لسنوات عدة أحاديثنا، ليس فقط حول مائدة عشاء منى ورشيد، بل حول العالم كله».
&
ويورد الخالدي في كتابه الدلائل التي كانت تشير إلى أن أوباما متميز عن جميع الرؤساء الأميركيين، بحكم أصوله الأميركية الأفريقية، وعيشه ثلاث سنوات في إندونيسيا، واسمه «باراك» ويعني «مبارك» باللغة السواحلية، ويحمل أبوه المسلم اسم حفيد الرسول الحسين. وتضفي هذه الحقائق المذكورة في كتاب الخالدي خصوصية على شهادته بأن أوباما الأسوأ بين الرؤساء الأميركيين في الموقف من فلسطين. والمفارقة أن تُستخدم علاقته القديمة بالخالدي في حملة الضغط ضده، عندما تحرك «أرخبيل من المنظمات المتجذرة في القطاعات الأكثر غنى ومحافظة في المجتمع اليهودي، وترأستها «لجنة الشؤون العامة الإسرائيلية اليهودية» (آيباك) المتحالفة مع اليمين المسيحي المناصر بشدة لإسرائيل، والضغط المثلث لنتنياهو، والجمهوريين، ولوبي إسرائيل، والصلة الثقافية والدينية العميقة بين الجانبين.
&
ويتابع الخالدي، وكان عضو الوفد الفلسطيني في مفاوضات مؤتمري مدريد وأوسلو، تفاصيل تحوِّل مهمة واشنطن في حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي إلى إدارته، وبالتالي إدامة الصراع، وتراجع أوباما المهين عن مواقف اتخذها خلال السنتين الأوليين لرئاسته، وتخلِّيه حتى عن المواقف المعتادة بالنسبة لجميع الإدارات السابقة، التي كانت تؤكد ضرورة وقف التوسع الاستيطاني والعودة إلى حدود 1967 كشرط لاستئناف المفاوضات. وتوّجت تحول أوباما عن هذه المواقف حملة واشنطن لعرقلة منح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، وخطابه في الجمعية العامة الأمم المتحدة (أكتوبر 2011)، الذي اعتُبر أكثر خطاب مؤيد لإسرائيل في تاريخ المنظمة الدولية، وأعقبه استقبال أوباما لنتنياهو، حيث اقتصر الحديث على التسلح النووي الإيراني، وكانت تلك «أول مرة يجتمع فيها رئيس إسرائيلي برئيس أميركي من دون أن يرد قطُّ اسم مسألة فلسطين»، حسب مستشار أوباما.
&
«وكلاء غير نزيهين»، عنوان مقدمة كتاب الخالدي التي استهلها بعبارة الكاتب البريطاني جورج أورويل عن «السياسة واللغة الإنجليزية»، ويقول فيها: «تهدُّلُ لغتنا يجعل من السهل علينا امتلاك أفكار حمقاء، وإذا كان الفكر يفسد اللغة، فإن اللغة تفسد الفكر». ويورد الخالدي مصطلحات، مثل: «الإرهاب» و«الأمن» و«تقرير المصير» و«الحكم الذاتي» و«الوسيط النزيه».. التي اتخذت معاني محددة تُستخدم غالباً بشكل ثقيل لصالح طرف واحد، بعيداً عن المنطق والتوازن المفترض، وهكذا يُقرَنُ مصطلح «الإرهاب» في معجم المسؤولين الأميركيين والإسرائيليين بالعرب، بينما لا تجيز قواعد المصطلحات استخدام «الإرهاب» في وصف «أفعال واشنطن وإسرائيل، بغض النظر عما تقتلانه من المدنيين الفلسطينيين واللبنانيين والعراقيين والأفغان».