واشنطن - هبة القدسي: بعد الإعلان المفاجئ لوزير الدفاع الأميركي تشاك هيغل عزمه الاستقالة من منصبه الاثنين الماضي، برز اسم ميشيل فلورنوي كمرشحة قوية لقيادة البنتاغون، وتفاءلت بعض الدوائر بذلك على اعتبار أن فلورنوي قد تصبح أول امرأة في تاريخ الولايات المتحدة تحتل منصب وزيرة دفاع. ورأى كثيرون في الإدارة أن فلورنوي تتمتع بشخصية قوية صاحبة خبرة عسكرية طويلة اكتسبتها من خلال عملها مع كل من وزيري الدفاع السابقين روبرت غيتس وليون بانيتا، وهي تحظى باحترام واسع داخل الجيش الأميركي وكذلك الجمهوريين في الكونغرس. وكانت المسؤول الثالث داخل وزارة الدفاع عن وضع السياسات قبل أن تترك البنتاغون وتساهم في تأسيس ورئاسة مركز الأمن الأميركي الجديد (CNAS).
&
لكن فلورنوي أحبطت كل تلك التوقعات، وأعلنت مساء أول من أمس، أنها لا ترغب في تولي منصب وزير الدفاع الأميركي وأنها ستبقى في منصبها كرئيس تنفيذي لمركز الأمن الأميركي الجديد وهو مركز بحثي متخصص في أبحاث الأمن والاستراتيجيات. وقالت فلورنوي في رسالة لمجلس إدارة مركز الأمن الأميركي بأنها تريد أن تبقى في منصبها الحالي وأن احتياجات أسرتها تمنعها من النظر للحصول على منصب وزير الدفاع. وقالت فلورنوي في رسالتها الليلة قبل الماضية «لقد تحدثت مع الرئيس باراك أوباما وطلبت سحب اسمي من قائمة المرشحين لمنصب وزير الدفاع وقد قررت أن الوقت ليس مناسبا لي للعودة للعمل في الحكومة». وأشارت فلورنوي إلى رغيتها في تكريس وقتها لأبنائها حيث يدرس اثنان من أبنائها الـ3 في الجامعات.
&
كانت فلورنوي في أعلى قائمة المرشحين واعتبرها محللون اختيارا جيدا لما تملكه من خبرات وقدرات بوصفها مسؤولا عسكريا رفيع المستوى في البنتاغون ومسؤولا متخصصا في وضع السياسات إضافة إلى خبرتها العميقة خلال الحرب في أفغانستان والعراق.
&
ولم تكن فلورنوي وحدها التي أعرضت عن قبول ترشيحات لتولي منصب وزير الدفاع، إذ أعلن السيناتور الديمقراطي جاك ريد عن ولاية رودإيلاند (المقرب من الرئيس أوباما) عن عدم رغبته في شغل منصب وزير الدفاع بعد أن رشحته بورصة التكهنات هو الآخر لخلافة هيغل.
&
ويقول محللون بأن القرار الذي اتخذته فلورنوي والسيناتور ريد بشكل استباقي برفض المنصب يؤكد التحديات الهائلة التي تواجه وزير الدفاع الأميركي المقبل، كما تثير تساؤلات حول مخاوف كبار المسؤولين والمشرعين من أن متطلبات العمل في وظيفة وزير دفاع في إدارة الرئيس أوباما تتطلب العمل مع مركزية اتخاذ القرارات والسياسات والقرارات الاستراتيجية في الجناح الغربي بالبيت الأبيض.
&
واشتكى كل من الوزيرين السابقين روبرت غيتس وليون بانيتا من تدخلات كبار الموظفين في البيت الأبيض وصعوبة التعامل المباشر مع الرئيس أوباما الذي أعلن في بداية حكمه أنه سيكون الرئيس الذي ينهي الحروب، إلا أنه يجد نفسه عالقا وسط حرب مضطربة مع تنظيم «داعش» وليس لديه نية لتغيير قبضة البيت الأبيض الضيفة على جهاز الأمن القومي. وقالت صحيفة «بولتيكو»: «إنه يبدو أن البيت الأبيض يبحث عن شخص يمارس دور المشجع لسياسات أوباما فقط».
&
وبالإضافة إلى الصعوبات البيروقراطية داخل الإدارة والخلافات المحتملة مع كبار الموظفين في البيت الأبيض، فإنه يتعين على وزير الدفاع المقبل، إدارة الحرب ضد تنظيم «داعش»، وإيجاد طريقة لإغلاق معتقل غوانتانامو في كوبا وترحيل المعتقلين إلى بلادهم بما يحمله ذلك من مخاطر احتمال عودتهم إلى تنظيمات إرهابية. ويقع على عاتقه أيضا إدارة تنفيذ الانسحاب الأميركي من أفغانستان بكفاءة وتنفيذ خطط تقليص ميزانية البنتاغون وتنفيذ استراتيجيات تخفيض حجم الجيش الأميركي الذي أعلنته إدارة أوباما قبل عام.
&
وإضافة إلى كل تلك التحديات، يتعين على وزير الدفاع المقبل أن يواجه الكونغرس الجديد الذي يسيطر عليه بالكامل الجمهوريون الذي يعدون العدة لمواجهة وتحدي الإدارة الأميركية بكل الأسلحة السياسية والتشريعية في كافة القضايا الداخلية والخارجية، وهو ما يعني أن وزير الدفاع المقبل سيضطر للقيام برحلات متكررة إلى مباني الكونغرس وحضور جلسات استجواب كثيرة حول استراتيجيات وزارة الدفاع فيما يتعلق بـ«داعش» وأفغانستان والوضع الأوكراني، وكذلك وضع الخيار العسكري على الطاولة في حال فشل المفاوضات الدولية مع إيران حول برنامجها النووي.
&
ويبدو من الصعب على أي مرشح لمنصب وزير الدفاع مواجهة كل تلك التحديات، لأن الإدارة الأميركية نفسها تعارض بشدة توسيع إطار الحرب ضد داعش بقوات برية، ولا تريد مواجهة مباشرة مع روسيا في أوروبا، ومهما كانت الخبرة الجيدة لوزير الدفاع الجديد ورؤيته واستراتيجية فإنه قد يصطدم مع سياسات البيت الأبيض ورؤيته.
&
وبتراجع فلورنوي، وعدم رغبة السيناتور ريد في تولي المنصب، يبقى اسم واحد من الأسماء الـ3 القوية للمنصب، هو أشتون كارتر نائب وزير الدفاع السابق الذي يحظى باحترام كبير وسمعة جيدة في مهاراته الإدارية وأفكاره العسكرية لكنه شخص صدامي ولا يملك الكثير من الشعبية داخل صفوف العاملين في البنتاغون. وقالت المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي برناديت ميهان «إن الرئيس أوباما يدرس عددا من المرشحين المؤهلين تأهيلا جيدا ومع ذلك ليس لدي أي إعلانات عن الأفراد في هذا الوقت».
&
وأكد مسؤول أميركي كبير أن إدارة أوباما ستأخذ الوقت الكافي لتوسيع نطاق البحث عن مرشح لمنصب وزير الدفاع، فيما قال مسؤول بالبنتاغون «أعتقد أن الإدارة تبحث عن شخص يكون أكثر خبرة وأقل عدوانية».
&
وتشير تسريبات إلى أن الإدارة تفكر في توسيع دائرة الترشيحات لتشمل وزيرة سلاح الجو ديبورا لي جيمس، ووزير الجيش جون ماكهيو، ووزير سلاح البحرية راي مايوس، ونائب وزير الدفاع روبرت وارك، الذي يعد الرجل الثاني في البنتاغون، إضافة إلى نائب وزير الدفاع السابق أشتون كارتر. وتوسعت دائرة التكهنات لتشمل شخصيات خارج البنتاغون مثل السيناتور جوزيف ليبرمان ودينيس ماكدونو رئيس موظفي البيت الأبيض، ونائب مستشار الأمن القومي الأميركي، وجي جونسون وزير الأمن الداخلي الحالي.
وفي حال اختيرت ديبورا لي جونز للمنصب فإنها ستكون أول امرأة تقود البنتاغون لكنها لا تملك الكثير من الخبرة التي تملكها فلورنوي وليست شخصية معروفة على نطاق واسع في واشنطن أو في العواصم الأجنبية.
&
ويحظى وزير الجيش جون ماكهيو باحترام جيد داخل البنتاغون وهو شخص مقرب من الرئيس أوباما. أما وزير البحرية راي مايوس، فهو حاكم سابق لولاية ميسيسيبي وساند حملة ترشح أوباما في عام 2008 ويعد من كبار المستشارين في منطقة الشرق الأوسط ويملك خبرة في مكافحة الإرهاب. أما روبرت وارك فيملك خبرة استثنائية خلال عمله رئيس وحدة العمليات في وزارة الدفاع الأميركية.
&
ويقول الجنرال المتقاعد أرنولد بانارو الذي يشغل حاليا منصب رئيس جمعية الدفاع الوطني «أتي أوباما بتشاك هيغل وكان من المفترض أن يكون وزيرا لفترة ما بعد انتهاء الحرب في العراق وأفغانستان لكن الأمور تغيرت بشكل واضح خلال العامين الماضيين، وعلى إدارة أوباما ألا يكون تركيزها اختيار سيدة أو رجل لتولي المنصب بل يجب التركيز على من لديه قدرة لمواجهة التحديدات فيما يتعلق بالميزانية ومواجهة الكونغرس والتعامل مع الحكومات الأجنبية ويدير رؤية واستراتيجية واضحة ويتأكد أنها تعمل بفاعلية».