عبدالمحسن جمعة

أحوال الصحافة الكويتية وما تشهده من أشكال مختلفة من تراجع مهنيتها، وتضخم جرعة "التوجيه" عليها، هي ظاهرة متنامية بشكل مطرد ومتعاظمة خلال السنوات العشر الأخيرة، جعلت معظم الصحف المحلية مشكوكاً في أخبارها وبياناتها، وحتى التقارير الدولية والعلمية التي تنقلها من حيث أمانة العرض والمضمون.


بل أصبح للخبر والحدث المحلي عدة معان وتفاصيل، وفقاً لتوجهات كل صحيفة، وتعرضه أغلبيتها بما يتفق مع مصالح ملاكها، وهي ظاهرة خطيرة تفقد أي مجتمع الثقة بديمقراطيته، وحق المواطن الأصيل في الحصول على المعلومة الصحيحة عن أحوال وشؤون بلده، والأهم إيجاد الصوت الذي يعبر عن رأيه ورأي الأغلبية من أبناء المجتمع، من خلال إعلامه الوطني، ولا يصح في هذا المجال ما يردد عن أن وسائل التواصل الاجتماعي والصحافة الإلكترونية يمكنها أن تحل محل الصحافة التقليدية.


ومنذ سنوات تنشر صحفنا الكثير من الأخبار الملعوب في بياناتها ومضمونها، لخدمة ذلك التجمع السياسي أو تلك المجموعة الاقتصادية، أو حتى لخدمة شخصية نافذة دون أن يستطيع أحد وقف هذا العبث بتوجهات الرأي العام وتضليله وخداعه، بل إن بعض الصحف والمحطات التلفزيونية تتحول في المواسم الانتخابية إلى مقر انتخابي لمرشح ذي إمكانات كبيرة، في ممارسة تعتبر تعدياً صارخاً لنزاهة العملية الانتخابية وتكافؤ الفرص بين المرشحين، وتوفير الضمانات الأساسية للديمقراطية الحقة.


ومعلوم أنه نادراً ما توجد صحيفة في العالم دون توجه ما، لكن توجه الصحيفة يكون بقدر مقبول في أبواب الرأي والتحليل، لا في صياغة الخبر، بل إن من أكبر المحرمات في الصحف المحترمة أن يقترب ملاكها من غرف وصالة صياغة الخبر، لكنهم يستطيعون أن يستكتبوا من يمثلون رأيهم وتوجههم، ضمن نمط متوازن، لذلك نجد محطة مثل فوكس نيوز الأميركية، التي تمثل أقصى اليمين، تبث في فترات برامج تتكلم عن حقوق الأميركيين الأفارقة، ودمج العرب والمسلمين في المجتمع الأميركي، ورغم كل الحديث عن إمبراطورية روبرت مردوخ الإعلامية فإنه لا يملك من الإعلام البريطاني على سبيل المثال سوى 40 في المئة، ولا يستطيع الاقتراب من نسب أكبر من ذلك.


وعندنا أصبح الوضع الصحافي (مقروء – مرئي) في غالبيته إعلام حملات هجوم وحملات مضادة لها لخدمة أطراف متصارعة سياسياً واقتصادياً دون فائدة للبلد وأبنائه، وأصبحت الأغلبية من فئات المجتمع الكويتي بلا صوت ولا وسيلة إعلام حقيقية تعبر عنها، إلا باستثناءات بسيطة، وهو أمر في المجتمعات الديمقراطية يتطلب تدخل الدولة بالتشريع والدعم لإنشاء وسائل إعلام ذات تمثيل واسع، بل إن المطلوب هو فتح الحوار للوصول إلى ضمانات لمهنية العمل الصحافي، والفصل بين قدرة التدخل في مهنية ومصداقية العمل الصحافي من قبل المؤثرين عليه من الملاك وأصحاب النفوذ.


الخطير أن معظم الصحافيين والكتاب في الكويت أصبح لديهم رقابة ذاتية أشد صرامة ودكتاتورية من رقابة الدولة والقانون تجاه أصحاب النفوذ والوجهاء ومشاريعهم، حتى لو كان الأمر على حساب المصلحة الوطنية وكل فئات المجتمع، لذا لا يمكن أن تستمر حالة تشويش المجتمع الكويتي وجعله ضحية الحملات الإعلامية التي تخدم أفراداً وتجمعات لا تمثل المصلحة العامة، وهو الأمر الذي يستوجب أن تشرع على الفور جميع فئات المجتمع وقواه المختلفة ومؤسساته في تقويم وإصلاح واقعنا الإعلامي الحالي.
&