فهمي هويدي

&
هل نعتبرها «بشُرة خير» أن يعاد بعض الطلاب المفصولين إلى جامعاتهم؟ ــ ليست لديّ إجابة عن السؤال، ولكن تمنيت أن يكون الخبر الذي نشرته بهذا الخصوص جريدة الأهرام يوم الأربعاء الماضي (10/12) صحيحا، إذ ذكر أن جامعة القاهرة وافقت على تظلمات 6 طلاب من إجمالي 31 طالبا تم فصلهم هذا العام. ونقل على لسان رئيس الجامعة قوله إن عودة أولئك الطلاب تقررت بعد أن تعهد أولياء أمورهم بعدم خروج أبنائهم مرة أخرى للمشاركة في المظاهرات التخريبية وإلا تعرضوا للفصل النهائي، مضيفا أن باب التظلمات مازال مفتوحا أمام بقية الطلاب المفصولين.


صحيح أن إعادة ستة من الطلاب المفصولين من بين أكثر من 800 طالب تم فصلهم حتى الآن من الجامعات المصرية، يجعل الخطوة التي تمت بمثابة قطرة في بحر، إلا أنني وجدت في القطرة قشَّة من أمل تستحق أن نتعلق بها في متابعة قضية المفصولين. وقد كنت أحد الذين نبهوا إلى خطورة طردهم من الجامعة، الأمر الذي يعني إهداءهم إلى مسارات العنف والجماعات المتطرفة وربما العمليات الانتحارية.
من ناحية أخرى، فالملاحظ أن لغة رئيس الجامعة ــ إن صحت المفردات التي وردت على لسانه ــ لم تتخل عن الخطاب الأمني الذي يعتبر كل مظاهرة للطلاب عملا تخريبيا. وهو وصف يسقط من الحسبان مظاهرات الطلاب السلمية، ويصر على اعتبارها تخريبية لتبرير قمعها، إلا أنني آثرت غض الطرف عن ذلك، تقديرا للمصلحة الأكبر المتمثلة في تشجيع عودة الطلاب المفصولين إلى جامعاتهم، إذ تمنيت أن يقود ذلك الرشد المفترض إلى مصالحة مع الشباب تعيد إليهم الثقة والأمان والأمل، وتنهي فترة الشك والتربص والتصُّيد، التي أدت إلى اقتراح تجنيد بعض الطلاب للتجسس على زملائهم «المشاغبين» والإبلاغ عنهم، واعتبار ذلك عملا وطنيا يربى عليه الطلاب ويشجعون على التواصل مع الأجهزة الأمنية لأجل تحقيقه.
السؤال الذي طرح نفسه حين خطر لي ذلك السيناريو هو: ماذا عن الطلاب المعتقلين والمحكومين، سواء في حملة القبض العشوائي التي استهدفت شباب الإخوان وشيوخهم، أو تلك التي راح ضحيتها شباب ثورة 25 يناير الذين خرجوا في مظاهرات سلمية للاعتراض على قانون تقييد التظاهر؟.


شجعني على طرح تلك الأسئلة أن خطوة إعادة ذلك العدد المحدود من الطلاب إلى جامعة القاهرة، تزامنت مع التصريحات الرسمية التي صدرت عن أهمية دور الشباب والآمال الكبار المعقودة عليهم في المشاركة في العمل العام وفي الانتخابات التشريعية القادمة على وجه الخصوص، وتمنت تلك التصريحات أن يكون للشباب تمثيلهم المعتبر في المجلس التشريعي المقبل.
عديدة هي القرائن الدالة على أن ثمة أزمة تعترض طريق الثقة والتفاعل بين السلطة القائمة وبين الشباب، وهي أزمة ما عاد أمرها سرا، كما أن رموز السلطة ما برحوا يحاولون احتواءها وردم الفجوة بين الطرفين بين الحين والآخر، لكن الشاهد أن الجهود التي تبذل من جانب السلطة على صعيد التصريحات والوعود والإغراءات، أكبر بكثير من الخطوات والإجراءات التي تتخذ لإحداث تلك المصالحة على أرض الواقع، ولأن مدائح الشباب كثيرا ما اقترنت بالوعود والغوايات التي تراوحت بين العطايا والمناصب والتمثيل في بعض مؤسسات الدولة وإطاراتها، فقد أثار ذلك شكوكي في أنها لا تبتغي وجه الله والوطن، ولكن يراد بها التسكين والتخدير وامتصاص السخط والغضب لأطول أجل ممكن.
إذا سألتني كيف تتحقق المصالحة المنشودة، فردي أن رفع الوصاية الأمنية على الجامعات خطوة ضرورية لتهدئة أجوائها وإعادة الثقة والشعور بالأمان للطلاب. وأولى الخطوات الواجب اتخاذها في هذا الصدد تتمثل في إعادة المفصولين وإطلاق المعتقلين والعفو عن المحكومين لكي ينتظم هؤلاء جميعا في دراستهم ويواصلوا بناء مستقبلهم. وستكون ممارسة الطلاب لحرياتهم داخل الحرم الجامعي عنصرا مهما في استعادة شعورهم بالثقة والأمان. أعني بذلك استئناف أنشطتهم الثقافية من خلال الأسر الجامعية التي يشرف عليها الأساتذة، كما يشمل حقهم في التظاهر السلمي والتعبير عن آرائهم بحرية وبلا خوف، ولست أشك في أن أهل الاختصاص لهم مقترحاتهم الأخرى التي قد تكون أجدى وأنجع. وفي كل الأحوال فإن خطوات المصالحة المنشودة تتطلب تفكيرا مختلفا يستبعد الحلول الأمنية والقمعية، بحيث تقوم القيادات الجامعية والأساتذة بدور المعلم والمرشد للطلاب، وليس المرشد لجهاز الأمن الوطني. ولا يتطلب الأمر بذل جهد لاكتشاف ما هو مطلوب إذا ما رفعت يد الأجهزة الأمنية عن الجامعات، لأن التقاليد المستقرة التي تحفظ للجامعات حُرمتها ودورها الأكاديمي والوطني كفيلة بتحقيق المراد. وليس مطلوبا أكثر من استعادة تلك التقاليد واحترامها.


لكننا إذا دققنا في الأمر فسنجد أنه ليس ميسورا كما يبدو لأول وهلة، لأن الحريات في الجامعات مرتبطة بالحريات خارجها، والمصالحة مع الشباب تظل منقوصة ومحدودة الجدوى إذا لم تقترن بمصالحة مع المجتمع بأسره. إذا صح ذلك فهو يعني أننا بصدد مشكلة تتجاوز أسوار الحرم الجامعي، بحيث إن جذورها وأصلها ضارب العمق وراء تلك الأسوار وليس في داخلها، إن شئت فقل إن مشكلة الشباب ــ الجامعي وغيره ــ ليست سوى فرع عن أصل يتمثل في أزمة الممارسة الديمقراطية، التي هي جوهر المشكلة وعلاجها هو الحل. وهي نتيجة حين توصلت إليها فإنني سحبت تفاؤلي بإعادة الطلاب الستة إلى جامعة القاهرة، إذ اقتنعت بأن المشكلة أعقد والطريق أطول مما قدرت، وأن بُشرة الخير كانت شيئا تمنيته وليست حقيقة تمشي على الأرض.
&