يوسف الكويليت


في سورية والعراق بدأت إيران تطبق الاستعمار الاستيطاني الفارسي بزحفها نحو البلدين بدعم حكومي وطائفي منهما وللأسف من عرب فضلوا عودة استعمار إمبراطوريات الفرس عليهم، وقضية أن يعاد التاريخ من جديد كما جرى فيما بعد الاستعمار الغربي بطمس وإبادة الشعوب الأصلية في أفريقيا والوطن العربي، فلسطين تحديداً، وأستراليا، كما جرب «ستالين» تهجير شعوب الاتحاد السوفياتي في الشيشان والقرم وشعوب أخرى في آسيا الوسطى وغيرها، وكما استعملت إسرائيل في البدايات الأولى للاستيطان شراء الأراضي والفنادق وامتلاك المصارف في فلسطين، فإن إيران تضخ المليارات في دمشق وحلب وجنوب العراق للقيام بنفس الدور، حتى إن المشهد في البصرة والمدن التي حولها، والتي تشهد التعليم باللغة الفارسية كلغة ثانوية ما هو إلا محاولات لغزو ثقافي ساعدهم على هذا التطور غلبة الفئات الفقيرة والمهمشة التي تجعل الطائفة هي الأساس وليس الوطن، ونفس الأمر مع سورية، وإن كان التغلب على العنصر العربي، والمذهب السني يحتاج إلى أزمنة طويلة في تغييرهما، إلاّ أن المساعي جارية، وبشكل متسارع لاستغلال فرصة وجود الأسد في الحكم لتنفيذ تلك المشاريع.

قد لا يحدث هذا بسرعة، لكن الخطط موجودة، وقد يكون إقليم الجنوب العراقي وبعض الوسط هما من تركز عليهما إيران بمبدأ تبعية المذهب، لكن إقليم كردستان والشمال اللذين قد يتشكلان كإقليم سني وكردي آخر هو ما تخشاه إيران أن يكون المشكل أمام خطواتها المتسارعة، وإن كان الكرد لا يبالون في تنفيذ إقامة دولتهم بالتحالف مع عناصر العراق الداخلية أو القوى الإقليمية كإيران وتركيا بمغريات النفط وغيره كهدف استراتيجي بعيد..

تركيا ليست ساكنة، فهي تعتبر سورية حدودها الأساسية للتمدد على الوطن العربي وترى أنها حامية السنة وهي تخشى أن تصبح إيران الباعث الأساسي لتحريك العلويين والأكراد لتمزيقها، فحتى لو ظهرت مبادئ تقسيم العراق وسورية بين الدولتين، فما تخفيه بواعث الخوف وأرصدة العداء التاريخي قد تبرز بشكل أكثر صراحة، وربما يتم اتفاق مثلما كان بين فرنسا وبريطانيا بتقسيم تركة الرجل المريض، فقد يعود تقسيم البلدين العربيين بنفس الصيغة والأهداف..

يبقى الأمر الأهم، هل يمكن إزالة الوطن بذرائع المذهب، واختفاء العروبة لصالح «التتريك» أو الفرس، وكيف يتحرك الداخل بالشعور الوطني وهو ما عرفناه بنضال البلدين تجاه الاستعمارين البريطاني والفرنسي، وما هي أدوار القوى الخارجية هل تسمح بأن تنشأ إمبراطوريات، ولو صغيرة تهدد مصالحهما؟

أما العرب بوضعهم الراهن فهم يعيشون الصدمة والحيرة وهم يرون خرائطهم تتبدل، ويبقى فقط محور مصر ودول الخليج القوة الأخرى لكن دورهما يبقى محورياً إذا ما عملا على إيقاظ الشعور القومي وإنقاذ العراق وسورية من الاستعمار الجديد.
&