شتيوي الغيثي

للأسف، إن جميع الخطابات في السعودية تقف مواقف ضدية من بعضها، ومن المهم ألا يركن وزير الثقافة والإعلام لواحد منها، أو يميل لأحدها دون غيره

&


في البداية أبارك لمعالي وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبدالعزيز الخضيري توليه هذه الوزارة المهمة، التي تعد من أكثر الوزارات صعوبة كونها تختص في دفع الخطاب السعودي، ثقافة وإعلاما، إلى الواجهة، كما أنها وزارة ذات اشتغالين: داخلي وخارجي، خلاف بعض الوزارات الأخرى التي تختص في الداخل السعودي، فكما أن وزارة الثقافة تحاول أن تنهض بالثقافة والإعلام الداخلي فهي أيضا تصدرهما إلى خارج الإطار السعودي، وتنافس الوزارات الأخرى، كما تنافس الفضائيات والإعلام الخارجي، كما أن تحدي "الميديا" صار أحد أهم التحديات الجديدة التي تتعامل معها هذه الوزارة، وهي أيضا تحمل عبء وزارتين في وزارة واحدة، كما أن الإعلام الداخلي، وخاصة في الصحافة السعودية، بدأ بالانحدار، هذا غير أن قنواتنا الفضائية ما زالت دون المستوى بكثير، مع تنافس القنوات الأخرى، ومن هنا كانت هذه الوزارة من أكثر الوزارات صعوبة، ومهمة الوزير من أصعب المهمات كونه أمام تحديات كبيرة ومشكلات كثيرة، وأتمنى لمعاليه النجاح فيها لأن نجاحه هو نجاح للثقافة والإعلام السعودي.


على المستوى الثقافي فإن التحديات السعودية كبيرة جدا، فالسعودية أمام تحولات كثيرة ثقافيا، يشهد لها معرض الكتاب، حيث حركة التأليف السعودي والمقروئية الكبيرة للكتاب السعودي، إضافة إلى حجم المبيعات، وهذه التحولات تضع الوزارة أمام وعي اجتماعي كبير لم يكن قبل عشر سنوات مضت، ولذلك فإن الدفع إلى مزيد من حرية القراءة والكتابة من أهم القضايا التي يمكن أن تطرح، بحيث يمكن أن تقلص عملية المنع إلى أضيق حدودها، وأن تتم مراجعة أخطاء السنوات الماضية، فالمكاسب التي تحققت يجب الحفاظ عليها، والعمل على حل مشكلاتها يكون واجبا ثقافيا كذلك. هذا من جهة، من جهة أخرى فإن الثقافة السعودية أمام مؤسسات ثقافية تكاد أن تموت، والوزارة معنية كثيرا بإعادة إحيائها من جديد، فمن المهم ألا يغلب جانب الإعلام على جانب الثقافة.


وفي كل هذه الأمور، سواء في معرض الكتاب أو المؤسسات الثقافية، حصلت صراعات بين التيارات السعودية، سواء التيارات المحافظة أو التيارات التحديثية الأخرى، وهذا الصراع يمتد إلى أكثر من 40 عاما، ولعل الصراع بين الصحويين والحداثيين أيام الثمانينات كان أشدها، وما زال صداه إلى هذا اليوم في بعض الأمور، هذا غير الصراع بين التيار الليبرالي والإسلامي منذ حوالى 10 سنوات وحتى الآن، وقد عاد الخطاب العروبي إلى الواجهة ليدخل في إطار ذلك الصراع، ووزارة الثقافة ستكون في خضم تلك المعارك، وكل التيارات تعوّل عليها كونها المظلة الرسمية لجميع الخطابات الثقافية السعودية، فماذا سيكون موقف الوزير الجديد؟
من الظلم التسرع ووضع الوزير في خانة محددة، وهو الذي لم يتم تعيينه إلا الأسبوع الماضي، فالرجل للتو تسلم حقيبة الوزارة بكل تحدياتها ومشاكلها، لكن ظهرت تغريدة لمعاليه قبل توليه الوزارة بفترة، أقلقت بعض المثقفين، كونها توحي بأن الوزير يقف موقفا متحفظا من بعض التيارات.

تقول التغريدة نصا في وسم أو (هاشتاق) #حقيقة: "يقال أن أغلب الليبراليين عربا وعجما فشل زواجهم بسبب شعاراتهم عن حرية المرأة التي طبقتها زوجاتهم فلم يتحملوها لغلبة الفطرة البشرية". نص هذه التغريدة مربك قليلا، فكونها تقع في وسم (حقيقة) يعني أنه يُراد لها أن تكون حقيقة لا تقبل النقض أو الدحض، في حين تتصدرها كلمة: (يُقال) ويقال في العربية لا تحتمل الحقيقة؛ بل هي في إطار النقل، وهي عند الأصوليين من قبيل الرواية الضعيفة. كما أنها تذهب إلى خطاب العربي والأجنبي أكثر من السعودي، لذلك من الصعب الحكم على الوزير بسبب مثل هذه التغريدة، وإن كان من الواضح أنه ينتقد خطاب التيار الليبرالي (ولهذا جاء عنوان هذا المقال من أجل الإثارة الصحفية لا أكثر). وبحكم أن الوزير كان كاتبا في صحيفة الاقتصادية، فكان من المهم تتبع كتاباته ومعرفة ما يتكئ عليه من رؤى.

في مقال له بعنوان: (الإعلام والسلم الاجتماعي) يطرح أهمية حوارات المذيع عبدالله المديفر في تعرية التيارات السعودية، ثم يقول: "إن الاختلاف الفكري وأسلوب طرحه حق مشروع لكل صاحب فكر ما دام ذلك الفكر يبقى ضمن دائرة صاحبه ولا يتعدى إلى تغيير فكري ضمن النسيج المجتمعي يقود نحو الاختلاف المدمر للعلاقات المجتمعية".

ثم يعود ليطرح أهمية الكشف الإعلامي لهذه التيارات أمام المواطن السعودي بحكم أن مثل هذه الحوارات -كما يقول عنها-: "إنما تكون أحد أهم الأدوات التي يستثمرها ويستغلها ويستعملها المعنيون بأمن الوطن الفكري وأمنه الأمني، ويعينهم مع ما لديهم من معلومات على دراسة أسباب وصول مثل هذا الفكر المتطرف من خلال الأطياف التي خرجت أو تخرج عن الإطار القيمي للمجتمع السعودي والتي عملت على تقسيمه إلى أطياف وجماعات بأسماء أصبح مجرد حفظها معضلة غير سهلة، فمن إسلامي متشدد إلى إخواني وجامي وعلماني وناصري وليبرالي وعروبي وأخيرا ليبرالي جامي وداعشي وبقية التصنيفات قادمة مع تقدم الأفكار، خصوصا الهدامة للمجتمع، التي تعمل على تفريقه وتمزيقه وإرباك أمنه واستقراره السلمي". صحيفة الاقتصادية: الإثنين 23 رمضان 1435 العدد 7588.


ومن الواضح هنا أن هاجس الوزير، قبل كونه وزيرا، هو السلم الاجتماعي والأمن الفكري، في حين أننا نراه يؤمن بحق الفرد في الاختلاف كما تنص المقالة ولا أعرف حقيقة كيف سيجمع الوزير بين أطراف معادلته الثقافية هذه!
لن أقف مدافعا عن معالي الوزير، وكذلك لن أقف ناقدا له في مقالتي اليوم، فكل إنسان له توجهه الخاص، ولا يلام عليه، إلا إذا تحول هذا التوجه موقفا عمليا من أي خطاب، وللأسف فجميع الخطابات في السعودية تقف مواقف ضدية من بعضها، ومن المهم ألا يركن الوزير لواحد منها، أو يميل لأحدها دون غيره، فمن المشكلات التي ستواجهه، كما واجهت أكثر من وزير قبله، هي في عمليات المناصحة التي يسوقها بعض المشايخ من خلال التجمع أمام الوزارات، متى ما رأوا قضية تشغلهم دون غيرهم، وكذلك ستواجهه متطلبات كثيرة من مثقفين وإعلاميين يحاولون أن يدفعوا بالحركة الثقافية والإعلامية إلى مزيد من الحرية ربما تناقض ما يقف عليه الطرف الآخر في خضم الصراع بين الأطياف، فإلى أي الطرفين سيستمع أكثر؛ خاصة أن الصراع غالبا ما كان على قضايا ثقافية كالمرأة والسينما وحرية فسح الكتب والمسرح والموسيقى وحرية التعبير وغيرها!
من المهم أن تتعالى وزارة الثقافة والإعلام عن إشكاليات الصراع بين التيارات السعودية، على ألا تعود خطوات إلى الوراء، مع أحقية حفظ الاختلاف الثقافي بين أطياف الثقافة السعودية. كيف سيحققون ذلك؟ الأشهر المقبلة كفيلة بمعرفة ذلك.
&