عبدالعزيز الكندري

التطورات الأخيرة التي جرت في العالم العربي كمن يتابع أحد أفلام «هوليوود» أو مسلسل تلفزيوني طويل ولكنه ممل وغير ممتع، تسارع الأحداث بشكل لايمكن أن يصدقه عقل إنسان، ولو تنبأ أحد قبل سنين بما يحصل الآن لرميناه بالجنون، في العراق وسورية برز تنظيم «داعش»، وفي سورية دخل «حزب الله» على خط النار والمواجهة، وفي اليمن السعيد تقدم الحوثي من صعدة إلى صنعاء دون أي مقاومة تذكر بل بمباركة الجيش النظامي الذي حاربه في السابق، مما زاد من الشهية أكثر... فأخذ يتوسع وعينه على المواقع الإستراتيجية والمنافذ البحرية، ولكن دخول وإصرار جمال بن عمر على الحوثي للتوقيع أوقع الحوثي في ورطة خارجية حيث إنه سيتهم في أنه يعيق العملية السياسية مما سيوقعه في تبعات خارجية كبيرة، وما يقوم به الحوثي اليوم من أنه مطية للنظام السابق سيكلف الحوثي الكثير، وسيجعله يندم طوال حياته، واليمن قد يكون وضعه أخطر من الوضع السوري... وقابل للانفجار في أي لحظة لا قدر الله، وفي «ليبيا» لاصوت يعلو فوق صوت البندقية، ومن يملك السلاح والرجال تكون له الغلبة والجولة!

من كان يعتقد أن تقوم مجموعة صغيرة وهي «داعش» فتأخذ مدنا عراقية كبيرة وتأخذ سلاح الجيش العراقي المتطور، ونراها تتمدد يوما بعد يوم، ما سبب هذا الهلع الكبير في العالم والذي أسفر عن ولادة التحالف الدولي ضده!، فعلا ما يحدث في غاية الغرابة.

وحتى النظام السوري نفسه لولا تدخل «حزب الله» وبعض الميليشيات في الدفاع عنه لكانت «دمشق» سقطت من زمن بعيد، نعم دخول الحزب قد يكون أنقذ النظام السوري ولكنه فتح الباب على مصراعيه لمشاكل طائفية كبيرة في قادم الأيام ولعل ما يحدث هذه الأيام في لبنان وسورية خير دليل على ذلك، وقد تساهم في إسقاط الحزب نفسه خاصة ظل حرب أسعار النفط المشتعلة وإحجام الممول عن تمويل الحزب كما كان يفعل في السابق.

إننا أمام شرق أوسط جديد بدأ يتشكل ويعيد اكتشاف ذاته، والعالم بأسره بدأ يراقب ماهي النتائج، خاصة مع بوادر تصدع الشرق الأوسط بسبب الجيوش الصغيرة عابرة الحدود، والماضي لم يعد مثل اليوم ولا المستقبل واضح المعالم، وحالة عدم الاستقرار مازالت مستمرة وأعتقد أنها ستستمر لسنوات قادمة.

وكتب غسان شربل مقالا في صحيفة «الحياة» تحت عنوان «زمن الجيوش الصغيرة»: إنها جيوش صغيرة عقائدية، حروبها أوسع من الخرائط الموروثة، ومرجعياتها لا تعترف بالحدود الدولية، جيوش جيدة التدريب والتجهيز، متراصة الصفوف، والطاعة فيها كاملة، قادرة على الإمساك بقرار العواصم، وقادرة على اختراق الحدود الدولية، مشكلتها أنها لا تمثل سوى قسم من المواطنين، وأن بأسها يدفع الآخرين إلى الذعر أو الإرهاب، الجيوش الكبيرة نفسها تتحول جيوشاً صغيرة إذا رابطت على بعض الأرض أو اتكأت على بعض الشعب، يصعب على الجيش الصغير الاستيلاء على كامل الخريطة في بلد متعدد، قوة الجيوش الصغيرة تمزق الخرائط.

للمرة الأولى نرى هذا العدد من الجيوش الصغيرة على خرائط المنطقة، ثمة جيوش جديدة تتشكل حالياً، التربة الليبية حبلى بجيوش صغيرة تشرب من نبع آخر، كان العيش في ظل الجيوش الكبيرة متعباً، يبدو العيش في ظل الجيوش الصغيرة مفتوحاً على الخرائط الممزقة أو «الأوطان» الصغيرة.