سمير عطا الله

في الستينات كانت الصحافة اللبنانية تعتمد كثيرا على ترجمة المادة من الصحف الفرنسية والبريطانية التي تصل إلى بيروت عادة في اليوم التالي لصدورها، وكان يلفتنا، أو يضحكنا بكل سذاجة، أن أول كلمة في صحف لندن، قبل اسم الصحيفة، هي «الطقس» ونشرة الأحوال الجوية. كنا نعتقد أن «الإنجليز» شعب مهووس يبالغ في متابعة أخبار المناخ، فمن كان يهمه أمر الطقس في لبنان؟ إنها تمطر في الشتاء وتصحو، ثم تصحو في الربيع والصيف ولا تمطر، وغالبا ما يفلِّس تجّار المظلات، صيفا وشتاء.


عندما جئنا إلى لندن، أدركنا أن معرفة حالة الطقس هي أهم شيء عند السكان قبل الخروج من المنازل، فالفصول أربعة في اليوم الواحد، والمظلة ضرورية مثل الخبز، وبالتالي، فإن الخدمة الأولى التي تقدمها الصحيفة لقارئها هي إرشاده إلى ما عليه أن يرتدي ذلك النهار.


عام 1995 أعلنت بعثة علمية روسية أنه تم العثور في بلدة إيكاتنبرغ عن رفات القيصر نيقولاي الثاني وزوجته وبناته الثلاث. ربما أن الأمير فيليب، زوج الملكة إليزابيث، هو أقرب الأحياء إلى زوجة القيصر، فقد جرت عملية مقارنة للحمض النووي تأكد منها أن الرفات عائدة دون شك إلى عائلة آل رومانوف، التي لم تتوقف الأساطير والإشاعات عن مصيرها النهائي بعد الثورة البلشفية عام 1917. البعض قال إن القيصر لم يُقتل، بل هرب. وإحدى النساء ادَّعت أنها ابنته، الدوقة انستازيا، وأنعشت المخيلات في الرواية والسينما، بلا حدود.


حتى بعد اكتشاف بقايا الأميرة القيصرية، ظلت المخيلات تنشط في كل الاتجاهات. لكن من أهم ما حدث بعد ذلك، الاكتشاف التاريخي الذي هز الروس، كان المذكرات التي تركتها الدوقة الكبرى أولغا، ابنة القيصر التي كانت في الثانية والعشرين عندما قتلت عام 1918.


صدرت مفكرة الدوقة أخيرا في نحو 200 صفحة. قراءة محزنة بعد نحو القرن. مفكرة يومية بسيطة ليس فيها دلالات سياسية غير عادية. حكاية عائلة تعيش مثل بقية الناس، لها المشاعر نفسها والهموم نفسها وفقدت الفرح والأمل. لكن يسيطر على هذه المفكرات، قبل الثورة وبعدها، هاجس يومي واحد: الطقس.


تبدأ الدوقة نهارها إما بالحديث عن شمس مشرقة وطقس عذب، وإما بالتذمر من طقس ملبد وبرد شديد. البلاد التي لم يمنحها الله طقسا معتدلا تعيش في انتظار الإشراقة الجميلة. يجب أن يجرب المرء شتاء موسكو، أو أوروبا الشرقية، لكي يعرف لماذا كان هم الدوقة الطقس، إلا في حالتين: إعلان الألمان الحرب على روسيا، ثم النمساويين. «يا للأوباش» كتبت الدوقة.