احمد سيد احمد&&


تظل الأزمة السورية فى وضع اللاحل وانسداد الأفق فى التوصل إلى تسوية نهائية دائمة توقف دوامة العنف والقتل المستعرة فى البلاد،

والتى زاد ضحاياها على المائتى ألف قتيل، ومثلهم من المصابين وملايين اللاجئين الذين يعيشون ظروفا بالغة القسوة مع حلول فصل الشتاء.

ويظل السؤال هل من أفق سياسى للأزمة بعد تجمد محادثات الحوار السابقة، فالمبادرة الروسية الأخيرة التى قدمها نائب وزير الخارجية لإحياء المسار السورى لعقد مؤتمر بين الحكومة والمعارضة فى موسكو يناير المقبل، تواجه تحديات كبيرة منها أن الدعوة تشمل ممثلى الائتلاف الوطنى السورى المعارض بصفتهم الشخصية وليس كممثلين لكيانات محددة، كما أنها لم تتطرق بشكل واضح حول شكل الحكومة الانتقالية والتى نصت عليها مبادرة جنيف1، إضافة إلى قصر مسألة محاربة الإرهاب على الجيش السورى، لمنع أية تدخلات غربية فى سوريا، ومن ثم من غير المتوقع أن تفضى تلك المبادرة إلى التوصل إلى حل وستلقى مصير المبادرات السابقة، كما أن خطة مبعوث الأمم المتحدة ستيفان دى ميستورا بوقف القتال بين الحكومة والمعارضة فى بعض المناطق مثل حلب يواجه أيضا بتحديات فى ظل تعدد الجماعات المقاتلة وتباين مواقفها، ومطالبة بعضها بأن يشمل التجميد ريف حلب ومناطق أخرى وهو ما يرفضه النظام.


وكل هذا يؤكد أن تعقد الأوضاع على الأرض يجعل من أى مبادرة أو حل سلمى للأزمة السورية مصيره الفشل، فالحلول المطروحة لا ترتكز على أساس صحيح وتوافقى، فكل طرف من أطراف الأزمة يسعى أن يفرض منطقه ورؤيته، فالنظام السورى يراهن على عامل الوقت لتغيير موازين القوة، بمساعدة إيران وحزب الله وروسيا، ويوظف ورقة الإرهاب للفت الانتباه عن القضية الأساسية وتحويلها إلى محاربة التنظيمات الإرهابية، التى كانت بمثابة طوق النجاة له، والأخيرة تسعى إلى فرض الأمر الواقع عبر السيطرة على مناطق فى البلاد، يمكن من خلالها أن تؤسس لإمارات إسلامية، ولا تتوانى عن ممارسة القتل والذبح والتدمير ضد الشعب السورى، الذى بات يئن تحت مطرقة نظام تسلطى وسندان جماعات إرهابية، وما بينهما تقف المعارضة السورية المعتدلة والجيش السورى الحر لا يمتلك أى أوراق تمكنه من توجيه المسار السياسى للأزمة، ويظل منتظرا الدعم الغربى والأمريكى لتسليح عناصره. كذلك فكل طرف يراهن على القوة العسكرية للتخلص من الآخر وتغيير موازين القوة لصالحه، ولم يفلح أى منهما حتى الآن فى تحقيق هدفه، وكانت المحصلة هو مزيد من القتل والتدمير والمعاناة للشعب السورى، وتزايد مخاطر تهدد الدولة السورية بالتفتت.


كما أن دور الأطراف الخارجية فى التوصل إلى حلول يزيد من تعقد الأزمة واستفحالها، فالولايات المتحدة حائرة بين الضغط من أجل التوصل إلى حل سياسى شامل وتسليح المعارضة المعتدلة وتدريبها، وما بين محاربة تنظيم داعش الإرهابى، وفشلت الغارات الجوية الأمريكية والغربية فى استئصال نفوذه من المناطق التى سيطر عليها، وهو ما جعل أوباما بنظريته للارتباط الجزئى فى سوريا محلا لعاصفة من انتقادات الجمهوريين الذين اتهموه بالفشل فى بلورة إستراتيجية محددة للتعامل مع داعش ومع الأزمة السورية. ويمثل الدور الإيرانى فى سوريا عاملا سلبيا، سواء فى دعمه اللامحدود للنظام، ومشاركة عناصر الحرس الثورى فى القتال، أو فى توظيف الورقة السورية ضمن صفقة مع الغرب حول البرنامج النووى الإيرانى، تسهم فى تعقد الأزمة، أما إسرائيل فإنها المستفيد الأول من استمرار الأزمة السورية، وذلك بالتخلص من القوة العسكرية السورية، وتحويل سوريا إلى دولة مفككة لا تستطيع أن تشكل تهديدا لها فى المستقبل.


الحل الواقعى للأزمة السورية يتجسد فى، أولا: رحيل النظام السورى، بعدما استخدم آلته العسكرية فى القتل والتدمير، سواء بالطائرات أو البراميل المتفجرة، وكان المسئول عن الأزمة وعن اندلاعها واستمرارها بسبب إصراره على البقاء فى السلطة، ورفض الحل السياسى والاستجابة للمطالب المشروعة للشعب السورى فى العيش بكرامة وحرية، وثانيا: مواجهة وعزل التنظيمات الإرهابية المتطرفة مثل داعش وجبهة النصرة وأنصار الشام وغيرها، والتى تتكالب مع النظام السورى فى قتل الشعب السورى وتدمير بنيته الأساسية ومقوماته العسكرية، وعلى رأسها الجيش، وثالثا: دعم المعارضة المعتدلة وتوحيد صفوفها، بعدما تسبب انقسامها وانشطارها والاقتتال فيما بينها فى ضعف موقفها على الأرض. ورابعا: تفعيل الحل السياسى وفق اتفاق جنيف1 الذى يقضى بتشكيل حكومة وحدة وطنية انتقالية من عناصر المعارضة، ومن بعض عناصر النظام، التى لم تشارك فى عمليات القمع والقتل، وأن يكون هدفها الأساسى الحفاظ على وحدة الدولة السورية وسيادتها ومنع سيناريو التقسيم، سواء إلى مناطق عازلة أو كانتونات يسيطر كل فصيل عليها ويفرض قانونه وأيديولوجيته.


وأخيرا فإن أى حل لا ينحاز للدولة السورية ويحافظ على وحدتها، وينحاز للشعب السورى ويوقف معاناته، فلن ينجح فى إنهاء هذه الأزمة، التى تدخل عامها الخامس، ولا يظهر حتى الآن أية بوادر للانفراج، وتحولت سوريا إلى ساحة للحرب الأهلية وتشابكات المصالح الخارجية ونزيف دموى مستمر.
&