محمد خروب
&
يبدو أن حركة النهضة التونسية، أكثر الأحزاب ارتباكاً وتشوّشاً عشيّة الاستحقاق الرئاسي، الذي سيقرّر مسار «الثورة» التونسية بعد أن وضعت اوزارها وخطت خطوات جادة نحو تكريس جمهورية جديدة تقطع مع عهد بن علي الفاسد والمُستبد، وتحاول بعض مكوناتها السياسية استعادة «الفصل» البورقيبي، الذي يجسّده على نحو واضح ومعلن حزب نداء تونس وقائده الهرم الباجي قايد السبسي، الذي يبدو أنه يدفع حركة النهضة نحو الحائط ويضعها أمام خيارين لا ثالث لهما، إمّا الالتحاق به على قاعدة شراكة، ليست تامة بالطبع لكنها تمنحها حضوراً ودوراً وإن كان عبر قبول شروطه وبخاصة في طيّ صفحة تحالفها الذي ما يزال قائماً رغم كل إدعاءاتها مع المنصف المرزوقي، أو تبقى إلى جانبه، وبالتالي تمنحه أصوات محازبيها وتُبقي عليه في قصر قرطاج لدورة رئاسية جديدة، بعد أن استطاعت «تحنيطه» هناك لثلاث سنوات ونيف، لم يكن سوى «ختم» مطاطي في يدها، هو وشريكه الثاني في التبعية للنهضة ونقصد مصطفى بن جعفر رئيس البرلمان المؤقت الذي اندثر هو ورئيسه بعد أن خرج من الانتخابات خالي الوفاض.
&
ثلاثة أيام تفصلنا عن الحادي والعشرين من كانون الأول الذي سيشكل علامة فارقة في تاريخ تونس الحديثة، لأنّ ما ستفرزه صناديق الاقتراع، هو الذي سيحدد الخطوات التالية لكل الأحزاب التي وصلت إلى البرلمان &الجديد والأضواء ستكون مُسلّطة على «النهضة» لأن فوز المرزوقي (استطلاعات الرأي تقول بتراجعه عن السبسي) يعني انهيار مرحلة «الغزل» أو إن شئت التقارب بين نداء تونس والنهضة، بعد أن تقاسمتا رئاسة مجلس النواب حيث مُنِحت الرئاسة لمرشح النداء فيما جلس عبد الفتاح مورو على مقعد نائب الرئيس، وهو أمر لم يكن ليحدث، لولا تفاهمات من وراء الكواليس، بدت وكأنها قادمة من جهة «النداء» الذي يريد النهضة أن لا تمنح أصواتها للمرزوقي وإن كانت الشكوك وانعدام الثقة في تعهدات ووعود الحركة هي سيدة الموقف حتى الآن.
&
النهضة من جهتها «اضطرت» إلى اصدار بيان يمنح محازبيها حرية اختيار من يرونه «الأفضل» في نظرهم مُعلِنة أن ليس لديها مرشح تدعمه، وهي صيغة قد تكون ملتبسة إلاّ أنها تمنح بعض التطمينات لأنصار السبسي، الذي يعلن بعضهم أن النهضة غير موثوقة وأنها تمارس مبدأ التقيّة والخداع وانها لا ترى في المرزوقي «رجلها» وحصان رهانها الذي تستطيع من خلال منصبه في قصر قرطاج أن تُصوّب على نداء تونس أو تزعجه وتشوّش على خططه، رغم علمها أن الدستور الجديد لم يمنح صلاحيات واسعة للرئيس مقارنة بما تم منحه للحكومة رئيساً وفريقاً وزارياً.
&
ثمّة مُبالغة في تصوير النهضة وكأنها قادرة على خلط أوراق المشهد الانتخابي والتأثير الحاسم في مساره، ما يستدعي التوقف عند بعض المحطات «الفارقة» في ما باتت عليه النهضة الآن من قوة أو ضعف أو تراجع، ليس أقله عدد المقاعد التي حصلت عليها في الانتخابات البرلمانية (69 مقعداً مقارنة بنداء تونس 86) وخصوصاً في الانقسامات التي لحقت بصفوفها القيادية بخروج حمادي الجبالي نهائياً من «الحركة» معتبراً أنه لا يجد نفسه فيها وهو أمر اقرب إلى الانشقاق بعد أن «نجح» راشد الغنوشي، في إقصاء الرجل «الأهم» في النهضة، وتهميشه عبر دفعه للاستقالة من رئاسة الحكومة لصالح علي العريش، وزير الداخلية في عهده حيث اغتيل المُعارض الناصري البارز محمد البراهمي وقبله شكري بلعيد زعيم تحالف الجبهة الشعبية التي أصابت نجاحاً ملحوظاً مع الصعيدين البرلماني (15 مقعداً وهو إنجاز رغم تواضع العدد) والرئاسي حيث حلّ مرشحها حمة الهممي في المرتبة الثالثة.
&
خروج الجبالي (اقرأ انشقاقه) ونقده المبطن ولكن اللاذع للحركة ثم «التحالف المؤقت» بين النهضة والنداء (على صيد رئاسة البرلمان) وإعلان الحركة عدم وجود مرشح لها، يَشي بأنها لم تعد في وضع يُملي جدول أعمال البلاد التونسية أقله في المرحلة الراهنة..
&
الأحد القريب سيؤكد ذلك.. أو ينفيه.