دحام العنزي

أعطى أوباما الضوء الأخضر للأميركيين أن يسافروا لـ"هافانا" مباشرة دون دولة وسيط، وتحدث بوضوح أنه بعد إنهاء خطابه تستطيع أي شركة أميركية أن تتحرك للاستثمار في كوبا

&


أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما أول من أمس الأربعاء عن عودة العلاقة الدبلوماسية الطبيعية بين كوبا والولايات المتحدة، والنية عن تسمية سفير أميركي قريبا ليتوجه لـ"هافانا" بعد اكتمال مقر السفارة بعد 50 عاما من العداء.
&

الكوبيون أتباع فكر جيفارا وفيدل كاسترو - الذي سلم السلطة لشقيقه راؤول - كانوا يعتبرون أنفسهم الشوكة الأقوى في حلق أميركا بشأن المشروع (الصهيوأميركي) كما يصفونه لتهويد الكرة الأرضية ومحاربة الهيمنة الإمبريالية.

رعاة البقر استعادوا أشخاصا مهمين من سجون كاسترو على هامش عودة العلاقات من خلال تبادل السجناء بين الدولتين، ربما يكون أهمهم عملاء تابعين لوكالة المخابرات المركزية الأميركية CIA محتجزين منذ سنوات طويلة. كان هناك خطابان متزامنان من الرئيسين، فبعيد خطاب أوباما المباشر على قناة CNN ظهر على القناة نفسها نقلا عن القناة الكوبية الرسمية الرئيس الكوبي راؤول كاسترو ليعلن أيضا علاقات أميركية كوبية طبيعية ولكن أكثر واقعية واختصارا. أوباما ارتكز في اتخاذه للقرار على أن كوبا تبذل في السنوات الأخيرة جهودا للتغيير نحو الأفضل، وأنها لم تعد دولة راعية للإرهاب، وتبرع سيد البيت الأبيض بمنح "هافانا" شرف استبعاد اسمها من دول محور الشر.

تحدث بعاطفة وحرارة عن الجاسوس الأميركي آلن قروس وكيف أن استعادته كانت عملا عظيما للأمة الأميركية، ونعلم أن موظف الـCIA هذا كان مكلفا بالتواصل مع اليهود الكوبيين وربطهم بالمنظمات اليهودية الأميركية والعمل على تجنيدهم لصالح أميركا وإسرائيل.


العداء الكوبي الأميركي متجذر وقديم جدا، وقد تتبعت المخابرات الأميركية المناضل الأرجنتيني البطل (محرر كوبا) الرفيق الطبيب إرنستو تشي غيفارا وقامت بتصفيته وقتله. لم تفلح أميركا في قتل الرئيس الكوبي فيدل كاسترو لعشرات السنين رغم المحاولات الكثيرة والتي دائماً ما تنتهي بالفشل، وكذلك محاولة الإخلال بالنظام وإشاعة الفوضى ومحاولات الانقلاب المستميتة بدعم حكومي أميركي شبه معلن. كوبا أيضا استعادت بعض المحاربين القدامى من مناضلي الشيوعية والاشتراكية من زملاء الرئيس السابق فيدل كاسترو، وأعتقد جازما، حسب تتبعي لتاريخه، أنه على علم بما يجري وأنه لم يمانع في تلك العلاقة الجديدة وإن لم يباركها، فلم تكن لتحدث لو لم يرد هو لها ذلك.


أعطى أوباما الضوء الأخضر للأميركيين أن يسافروا لـ"هافانا" مباشرة دون دولة وسيط كما كان يحدث سابقا، وتحدث بوضوح أنه بعد إنهاء خطابه تستطيع أي شركة أميركية أن تتحرك للاستثمار في كوبا، ونصح رجال الأعمال في التوجه نحو مشاريع تجارية هناك ورحب بالتجار والشركات الكوبية وتحدث عن دعم الاقتصاد الكوبي. تأكيد أوباما على ضرورة أن تفتح الحكومة الكوبية الحرية للمواطنين لاستخدام الشبكة العالمية والحريات العامة ربما يكون مزعجا للقيادة الكوبية، خاصة مع تصريح أوباما الواضح أن أميركا، وبالتزامن مع إقامة علاقات طبيعية مع هافانا، ستواصل دعم المعارضة الكوبية وحقوق الإنسان والحريات في المجتمع الكوبي استكمالا لدورها العالمي كما يقول، والتزامها تجاه الديموقراطية والعدل وإحلال السلام ودعم خيارات الشعوب.


خطاب الرئيس راؤول كاسترو كان مقتضبا وجافا مقارنة بخطاب أوباما وهذا يرسل رسائل عديدة! ظهر في بزته العسكرية يلقي الخطاب من خلال ورقة مكتوبة أعلن فيها عودة العلاقات وانتهاء حالة العداء والدعوة لتعاون اقتصادي. أوباما تحدث عن المجتمع الكوبي كمجتمع مجاور ودولة لا تبعد كثيرا عن الحدود الأميركية، وأن أميركا المحبة للسلام والعدل وحرية الإنسان ستحاول أن تساعد في دمج كوبا بالمجتمع الدولي من خلال إلغاء الحصار المفروض عليها منذ عشرات السنين.


عاصر الأخوان كاسترو وراؤول كثيرا من الرؤساء الأميركيين بعد مقتل رفيق دربهم "غيفارا" ولم يتوصلوا لأي نوع من أنواع التفاهم، بل كانت تلك الدولة الصغيرة آخر معاقل الشيوعية، بعد سقوط بكين وموسكو في حبائل "الهمبورجر" والعولمة، وظلت في حالة عداء حقيقي ودائم مع أميركا. هناك الكثير من أعضاء الكونجرس والشيوخ الأميركي يعارضون قرار الرئيس أوباما، وقد صرح عدد منهم في القنوات العالمية بأنهم سيبدأون حملة لإيقاف وتجميد هذا القرار بكل الطرق القانونية بناء على أن كوبا لا تزال دولة داعمة للإرهاب، ونظامها السياسي يقمع الحريات، وأن أميركا يجب ألا تقيم علاقات دبلوماسية بما يعني ضمنا الاعتراف بعائلة كاسترو الحاكمة.
الانفتاح الأميركي على كوبا ربما يعطي مؤشرا لانفتاح أميركي جدي وحقيقي على إيران، وهذا خطر سنتحدث عنه في مقال آخر لاحقا.
&