عبدالله العوضي

في المنتدى الاستراتيجي العربي 2014 كان النفط هو البطل الحقيقي أو المتحدث الرئيسي وليس فوكوياما ولا كروجمان ولا غيرهما من المتحدثين الأجلاء. لماذا؟ لأن النفط لا زال عصب الاقتصاد وسيبقى كذلك حسب الدراسات المستقبلية إلى أكثر من قرن قادم على أقل تقدير، وهو ما يعني عدم التسرع في إطلاق الأحكام الجزافية على هذه الطاقة المستدامة في كل العالم. فالنفط بحد ذاته قصة حضارة مستقلة، لأن الأمر لا يتعلق بسعر البرميل انخفاضاً وصعوداً، بل بما ترتب على هذه الأغلى حتى الآن من الذهب والفضة وجميع المعادن الثمينة الأخرى على وجه المقارنة العامة.


فالنفط ومشتقاته ليس بترولاً ولا ديزلاً ولا زيت تشحيم، بل هو أكثر وأكبر من ذلك أهمية، والناظر إلى عصر ما قبل النفط وما بعده لابد أن يقف احتراماً أمام هذه النعمة الربانية العظمى بالمطلق.

فالعالم أجمع على أتم الاستعداد لخوض الحروب تلو الأخرى لو أن أحداً مسّ هذه الطاقة الفاعلة قيد أنملة، لأن الحروب سبب رئيسي في زيادة أسعارها ووقفها يعين على مدى استعداد ذلك لترسية سبل الأمن والأمان والاستقرار من أجل ضمان تدفق هذه السلعة المنقطعة النظير في فوائدها الجمة سواء في المأكل أو الملبس أو حتى في أعلى سلم الرفاهية للبشر. وإلى هذه الساعة ليس هناك مصدر للطاقة أرخص ولا معجزة اقتصادية أكبر منها فالقاصي والداني يستفيد منها بصورة أو بأخرى، فالمحروم منها في أرضه يأتي إليه طائعاً غير مكره، نافعاً إلى أقصى الحدود وإيقاف تدفقه ساعة نذير شؤم ونكد للنفس في الدخل سواء للفرد أو الحكومات.

فالسلم العالمي لا زال مرتبطاً بسلاسة تدفق هذا النفط إلى الكل فعندما استولى «داعش» على مكامن تدفق النفط في سوريا إلى الدول الأخرى، قامت الحرب الحقيقية عليها لأن من يملكه تملَّك مصدراً للتمويل وإن كان للإرهاب يصعب وقفه لعقود إذا لم يتم انتزاعه منه عنوة وبأقصى قوة.

وبدون لف ولا دوران نقول بأن العالم المتقدم منذ عقود أعلن عن مصلحته في نفط الخليج بالذات لأنه الأرخص بالإطلاق، ففي الثمانينيات من القرن الماضي عندما كان برميل النفط يصدّر إليه بعشرين دولاراً كان ذات البرميل يعود إلى المنتجين أو المصدرين بقيمة 5000 دولار على هيئة مشتقات من ذلك البرميل الرخيص، تُرى كم استفاد الغرب ذاته من هذا النفط الخليجي قبل أن يعود إليه بصوره المختلفة.

هناك نبرة واضحة لدى الغرب اليوم وأميركا على وجه الخصوص تدل على أن انخفاض أو ارتفاع سعر البترول لا يؤثر كثيراً في اقتصاده المبني في الأعم على نفط الخليج وأن اكتشاف أو استخراج النفط الصخري هو البديل القادم لضرب النفط الخليجي بالذات وهذا في حد ذاته إشاعة مغرضة لزعزعة الاقتصاد في المنطقة قبل أن يحدث ذلك، لأن البديل المقترح بحاجة إلى صرف مبالغ طائلة عليه حتى يستغني تماماً عن النفط الخليجي، والغرب في أزمته الاقتصادية الحالية والمستمرة ليس لديه المال الكافي لخوض هذا التحدي الجديد وإن كان قائماً وقادراً ولديه الإرادة المستقلة لفعل ذلك، حتى ولو من باب تضارب المصالح بين دول الغرب وأخرى في الشرق.

وإذا كان الأمر كذلك، أو إذا كان المستقبل هو مصلحة آنية للغرب أو في مزيد من الأنانية الاقتصادية، فعلى العقلاء في منطقة الخليج بالذات التركيز على مصلحتهم أيضاً حتى ولو تضاربت مع مصالح الغرب حتى لا يضطر الخليج لتغيير بوصلة مصالحه المستقبلية، فالترويج السلبي على أن نفط الخليج سينفد قريباً، هو مراد يُراد به بث «الرعب الاقتصادي» في نفوس البعض، كما تفعل جماعات الإرهاب فيما تقوم به من أعمال وحشية. إن من المنطق ألا تتم المبالغة في هذا النوع من «الترهيب والترويع» لأن النفط كغيره من السلع الخاضعة لدورة الاقتصاد العالمي الكلي فهي تخفض لظروف موضوعية وترتفع لذات الظروف ولكن الأهم ألا يستغل الغرب وأميركا ذلك لمآرب أخرى.
&