يوسف عوض العازمي

"جعجعة بلا طحن" هو عنوان مسرحية كوميدية ألفها الإنكليزي الشهير "وليم شكسبير" ما بين عامي 1598 و1599م كما يعتقد المؤرخون، وهي تعتبر من أشهر ما كتب هذا الكاتب التاريخي الشهير.


والرياض عاصمة المملكة العربية السعودية كانت مع مواعيد لبنانية فارهة وعلى مستوى سياسي مؤثر، ففي أحد أيام ديسمبر الشتوية وصل إلى الرياض المرشح للرئاسة في لبنان الدكتور سمير جعجع، قائد حزب القوات اللبنانية، وكانت زيارتة حافلة، ولم تكن لقاءاته سعودية صرفة بل تخللها لقاء لبناني صرف في أحد أحياء الرياض مع رئيس الوزراء اللبناني الأسبق سعدالدين الحريري، وكانت الصور تبين الحفاوة التي قوبل بها جعجع في دار الحريري.
من الواضح أن زيارة جعجع للرياض كانت لإعادة ترتيب الأوراق في لبنان لا سيما ماعرف بمجموعة 8 آذار التي أصابها بعض التعثر نتيجة الصراع مع حزب الله، الذي سارت الأمور لمصلحته، بعد تبوء نجيب ميقاتي رئاسة الوزراء، وما تبعها من تورط الحزب في المستنقع السوري وما جرى من أحداث معروفة.


في الرياض كانت لقاءات جعجع العلنية مع القيادات العليا في المملكة تبين حرص الرياض على إعادة دورها المؤثر في بيروت، ومما لفت الأنظار لقاؤه مع الأمير خالد بن بندر رئيس الاستخبارات العامة، وفي ذلك إشارة واضحة للاهتمام السعودي البالغ بتلك الزيارة، وإشارة لبعض من في بيروت.


سمير جعجع يعتبر حتى هذه اللحظة الأصلح سعوديا وخليجيا لرئاسة لبنان؛ لأن منافسه ميشيل عون لا يملك ذلك الاستحسان، وتاريخه ليس جيداً مع السعودية ودول مجلس التعاون، ولا ننسى تحالفه مع صدام حسين، ثم علاقاته القوية مع حزب الله، فهو يمثل النقيض لما يترقبه الخليجيون وبالذات السعوديون في الرئاسة اللبنانية.


أعتقد أن الرئاسة في لبنان ستذهب لمن يصل أسرع، ويكون الأقوى على الأرض، وهنا لا بد من إدخال عنصر مهم في هذا الصدد، وهو الانخفاض الحاد في أسعار البترول والتأثر الإيراني سلبا منه والذي سيكون كبيرا؛ لأن ما كان في المقدور سابقا قد لا يكون حاليا، وما كان مهما في السابق أصبح غيره هو الأهم حاليا، وهنا ألمح أو أتوقع بوادر لعبة هات وخذ بين المتشاركين بالصراع السياسي في لبنان.


السعودية الآن في وضع أقوى بكثير من السابق بعد ترتيب أوراقٍ وتطورات اقتصادية وسياسية، وكما ذكرت في سابق السطور تأثرت إيران سلبا من نزول أسعار البترول وانخفضت شعبية حزب الله كثيرا بعد تخبطه في الوحل السوري ومساندة النظام بدواع طائفية أسقطت عنه الشعبية بأنه المقاوم والسد المنيع للبنان.


بعد زيارة جعجع للرياض وظهور عدة معطيات هامة على الساحة؛ من إعادة للتوافق الخليجي وتمكن السعودية من إعادة ترتيب أوراقها في لبنان، وقدرة السيسي على ضبط الوضع في مصر، وكذلك الزيارة المهمة لحيدر العبادي للرياض، وإعادة كثير من الأكسجين لعلاقة الرياض- بغداد، وزيارة الملك عبدالله بن الحسين للولايات المتحدة، وبعدها زيارة "غير اعتيادية" لابن عم بشار الأسد للقاهرة بحجة أنها زيارة تتعلق بوظيفته كرئيس للأكاديمية البحرية في اللاذقية، وهي قطعاً لن تخلو من السياسة التي ستكون "الوجبة الرئيسة".


بعد كل ما ذكرت لا يمكن أن تغيب الرئاسة اللبنانية ولو بالقليل عن كل هذه التحركات؛ لأن التباطؤ المتعمد في انتخاب الرئيس، كان كما يبدو لإعطاء مساحات للموجودين في الساحة اللبنانية للتحرك، وتبدو المساحات حتى الآن متوافقة مع ما يريده السعوديون بصفة خاصة والخليجيون بصفة عامة.


السياسة كما يعلم الجميع فن الممكن، وعندما تربح في مكان ما قد يتطلب التضحية في مكان آخر، ووجود طهران في عدة عواصم إقليمية قد يكون مدعاة للإرهاق أكثر منه انتصارا مدويا، وكما قيل "يضحك كثيرا من يضحك أخيرا".
&

نأتي لمسرحية شكسبير "جعجعة بلا طحن" فهل تكون الجعجعة بلا طحن عنوانا للتحركات المؤيدة لرئاسة "الحكيم" كما يلقب، كونه درس الطب ولم يكمل دراسته، أم ستكون الرئاسة من نصيبه؟ تبدو الآن المساحات شاسعة والأمور شبه واضحة لتبوء سمير جعجع رئاسة لبنان، ليس لأنه الأفضل بل لأن البديل هو الأسوأ.