جاسر الجاسر

ثأرت «الداخلية» السعودية أمس للجندي عبدالعزيز عسيري الذي كان ضحية هجمات إرهابية قبل نحو أسبوع، فأردت قاتله في حملة مشددة استهدفت أوكار الإرهابيين في بلدة العوامية، وقتلت أربعة منهم بعد أن تمكنت من اصطياد زملائهم في حادثة «الدالوة» والخلايا المتربصة ومطلقي النار على الدنماركي، وكلها خلال أيام معدودة من ارتكاب الجريمة.

&

المهارة والسرعة في اصطياد هؤلاء تضاف إلى السجل الأمني في اصطياد خلايا الإرهاب مهما كانت توجهاتها ومنطلقاتها، فهو لم يسجل أي قضية ضد مجهول حتى الآن فقط، بل إنه ضيّق الحصار فلا يدوم غموض أي جريمة طويلاً، وسرعان ما تتساقط عناصرها قبل أن تجف دماء الضحايا، فيكون الثأر للوطن ولأهالي الأبناء الذين اغتالهم هذا الإجرام المتلبس بخطابات شتى تتمظهر بالدين والحقوق فلا يكون حصادها سوى حمل السلاح وقتل النفوس البريئة. هذه النجاحات ترسخ عمود الأمان للناس وتجنب الوطن مصائب الإرهاب وتنامي نشاطاته، وتوجه رسائل تحذيرية أنّ لا حياة له في السعودية، وأن محاولاته الجبانة لا تستطيع التنفس طويلاً في أرض تئد الإرهاب قبل أن ينمو ريشه ويستطيل شره.

&

في أحداث العوامية أمس، رسم الوطن صورة تضامنية لا تقل تماسكاً وبهاء عن الصورة التي تشكلت إثر جريمة «الدالوة»، فكان الصوت متناغماً والوطن واحداً مستشعراً الخطر العظيم من هؤلاء المجرمين إن تراخى عن نبذهم أو تعاطف مع مقولاتهم التغريرية بدءاً من حماية الإسلام إلى المطالبة بالحقوق، بينما حقيقتهم نشر الخراب والدمار وترويع الناس.

&

أبرز ما في المواجهة أمس، الحس الوطني الذي تحرر من ارتباكه فاصطنع لغة ثابتة منطقها الوحيد: لا للإرهاب بأي شكل. ولعل أهم المواقف ما نُسب إلى الدكتور توفيق السيف في كلمة تنبض وطنية وصدقاً وتأكيداً، أن العوامية وأهلها أبرياء من هذا الإجرام الذي يتحمله «حملة السلاح ودعاة العنف الأعمى، ومن ورائهم هؤلاء الذين يشجعونهم ويبررون أعمالهم، هؤلاء الذين يتخفون خلف نقاب الأسماء المستعارة بدل أن يكونوا شجعاناً ويتحملوا مسؤولية آرائهم». رافق ذلك سلسلة من المواقف والبيانات الرافضة للعنف وحمل السلاح، وأن «الدماء التي سالت ستكون في رقاب أولئك الحمقى ومن يبرر أفعالهم».

&

المواجهة الأمنية الميدانية هي خط الدفاع الأخير في إبعاد الشر عن البلد، أما النار الحقيقية التي تحرق كل نبتة إرهاب، فهي الوعي الاجتماعي والشعور بالخطر الذي ينال الجميع من دون استثناء إن وجد الإرهابيون ظلاً أو حضانة أو حتى إغضاء وتجاهلاً.

&

العمليات الإرهابية الأخيرة لها دلالة مهمة في نضج هذا الوعي وتزايد حضوره، من خلال تعاون المواطنين وتكاتفهم في دهم «العوامية» وما سبقها من جرائم وعمليات استباقية، حتى أنهم أصبحوا طرفاً ثابتاً في كل بيان عن هذه النشاطات. كانت البادرة الأولى الظاهرة من أهالي «تمير» في كشف خلية «داعشية» بينهم، ثم فجرت جريمة «الدالوة» حساً وطنياً كسر كل الفروقات والحسابات، وكأنها رسالة تؤكد أن البلد واحدة لا يمكن أن يغدو أهلها وقوداً لنزعات ومخططات كل متصيد للوطن وساعٍ إلى تخريبه، وأخيراً التعاون مع الأمن في كشف خلية العوامية.

&

الإرهاب لا يُشكر، لكن محاولاته البائسة عادت على البلد بالخير، وبرهنت أن الوطن تظلله راية واحدة ويعيش وجوداً غير متعدد، وأن الإرهابيين يشتركون في إراقة الدماء وإن اختلفوا في الملة والمذهب والأيديولوجيا.
&