سمير عطا الله

يذهب التونسيون غدا إلى الانتخابات الرئاسية عن جميع العرب. والعرب جميعا يشيرون إلى المثال قائلين: إليكم تونس، الدليل على أننا شعب مدني مثل سائر بلدان الكوكب وملياراته الستة. بل إن «الإيكونومست»، كبرى مجلات العالم، تحتفي بتونس الخضراء التي قاومت شهوة العرب الطاغية إلى القتل، والموت، والانتحار، والسبي، والقهر، والفقر، والتشرد، والخيام، والوحل، والتعذيب، وترميد الأوطان، وتدمير المستقبل، وتبديد العمر، وتخريب البنيان، وتوسيع الملاجئ، وتسفيه العلوم والتعليم. وها هي تقترع لرئيس مثل الهند وكوستاريكا وأهل الغابة والساحل في تنزانيا.


هل يشعرك ذلك بالاعتزاز أم بالخجل؟ دولة واحدة من جميع جمهوريات العرب؟ ولبنان بلا رئيس في جمهورية قائمة منذ 1920، وصحافة مصر بدل أن تبحث عن نواب جدد مشغولة بالحواة وبضبط شبكات الجنس على الإنترنت. جمهورية واعدة من أصل جامعة طويلة عريضة لها أسماء وأعضاء ومواثيق. يا للمصادفة. لقد احتفلت بريطانيا الآن بمرور ثمانية قرون (القرن مائة عام) على «الوثيقة العظمى» أو «الماغنا كارتا». ولو بقي الرجل حيًّا لأطلق على الكتاب لقب «الكتاب الأعظم» كما سمى جماهيريته.

ما أسهل الأسماء عند العرب: الجمهورية العربية المتحدة. اتحاد مصر سوريا ليبيا والسودان. الجماهيرية العربية الاشتراكية العظمى. ترك بورقيبة تونس من دون لقب.

ألزم شعبه بالتعلم بدل أن يعلق الطلاب في حرم الجامعة. طلب من شعبه أن يحبه، لا أن يرتعد من ذكر اسمه، ولا أن ينحني مثل شعب الزعيم المبجل والضاحك أبدا. ماذا يضحك الفتى كيم جونغ أون، الذي هو مثل أعلى لدى الكثيرين من العرب؟ ما الذي يمكن أن يجعل الكوري الشمالي يفرح غير أنه قادر على إخافة أهله وجيرانه وابتزازهم؟ ما هو الإنجاز الوحيد الذي حققته هذه الأنظمة المبجّلة غير سرقة الألقاب والهناء والحرية؟
أقامت تونس ثورتها وأنهتها كما يليق بالأمم.

وشكرًا مرة واحدة لزين العابدين بن علي، لأنه مشى هو، بدل أن يُطلب ذلك من عموم الشعب التونسي. كان أنبل من نفسه يوم تخلّى، مما كان يوم قبض على السلطة. وقد أساءت إليه زوجته وإلى حكمه.


المؤسف في تونس أنها شواذ، لا قاعدة. ولن يفوز الرئيس بأغلبية مسحوقة، بل بتسمية أقرب إلى عباد الرحمن، وليس إلى العزة الإلهية. وأستغفر الله في كل لحظة.