عبدالله خليفة الشايجي

سيُذكر عام 2014 على أنه العام الذي أكد أننا نعيش في نظام عالمي وإقليمي بلا ضابط أو مرجعية تتعامل مع التهديدات والكوارث والأزمات، من احتلال وسلخ روسيا لشبه جزيرة القرم في أوكرانيا ودعم الانفصاليين في شرقها في عودة لأجواء الحرب الباردة بين موسكو والغرب، إلى التصعيد في بحر الصين والبحر الأصفر بين بكين وجيرانها القلقين من قوتها المتنامية. وفوق ذلك سمحت المبالغة في التراجع الأميركي لكوريا الشمالية بأن تتجرأ وتقوم بقرصنة إلكترونية، بحسب اتهام واشنطن رسمياً لها بقرصنة استوديوهات شركة «سوني» في الولايات المتحدة لمنعها من عرض فيلم «ذا إنترفيو» The Interview وهو فيلم بقصة خيالية تدور حبكتها الهوليودية عن محاولة اغتيال الديكتاتور زعيم كوريا الشمالية «كيم جونج أون»، وهذه هي المرة الأولى التي تتهم الولايات المتحدة فيها رسمياً دولة بممارسة القرصنة الإلكترونية داخل الأراضي الأميركية، ما يشكل «قضية أمن قومي جدية» كما وصفها مسؤولون أميركيون، وقد توعدت الولايات المتحدة برد متوازٍ على ذلك التهديد والخرق، فيما طالب سيناتور أميركي بإعادة وضع كوريا الشمالية ضمن الدول الراعية للإرهاب. كما أن أوروبا لا تبدو أيضاً متماسكة أو على رأي واحد كعادتها في افتراق المواقف.

وفي هذه الأثناء عاد أيضاً شبح الإرهاب وتفاقمت العمليات الإرهابية من مجازر «داعش» وغيرها إلى مجزرة «طالبان» في مدرسة تابعة للجيش الباكستاني في بيشاور، إلى أول عمل إرهابي في سيدني بأستراليا.

&


ومع نهاية العام برز تطور ملفت آخر بالانفتاح الأميركي غير المسبوق على الخصم اللدود كوبا، التي شكلت لزمن طويل شوكة في خاصرة الولايات المتحدة، وقد تم الكشف عن مفاوضات سرية قادت لكسر الجليد وتخفيف العقوبات الأميركية وبدء اجتماعات رسمية تمهيداً لاستئناف العلاقات بعد قطيعة 53 عاماً.. ولكن الكونجرس الأميركي الجديد يغلب عليه «الجمهوريون» ولديهم وجهة نظر أخرى بعد فوزهم الكبير في نوفمبر 2014 وسيطرتهم على الكونجرس بمجلسيه، النواب والشيوخ، ضمن التغيرات الكبيرة التي حولت الرئيس أوباما حسب المصطلح السياسي الأميركي إلى «بطة عرجاء».

وكان ملفتاً في المؤتمر الصحفي الأخير لأوباما في البيت الأبيض الأسبوع الماضي عدم التطرق لقضايا الشرق الأوسط إلا لماماً وخاصة الحرب على تنظيم «داعش»، الذي أجبر أميركا على العودة على مضض إلى المنطقة وإرسال حوالي 3000 خبير عسكري للعراق وشن حرب مع تحالف الراغبين الذي وصل لستين دولة ضد «داعش» في العراق وسوريا.. في مخالفة لعقيدة أوباما الذي كثيراً ما ردد أنه «انتخب لإنهاء الحروب وليس لشن حروب جديدة!» فإذا به يجد نفسه مضطراً لشن حرب أخرى. كما لم يتطرق أيضاً لتطور مهم آخر في عام 2014 هو مشروع قرار المجموعة العربية في الأمم المتحدة الذي سيقدم لمجلس الأمن حول تحديد مهلة لإعلان الدولة الفلسطينية، وهو توجه اكتسب زخماً كبيراً باعتراف برلمانات بريطانيا وإسبانيا والسويد وغيرها من الدول بدولة فلسطين، وسط رفض واشنطن وتهديدها باستخدام «الفيتو» ضد القرار في حال تقديمه. وفي هذه الأثناء يستعر جنون نتنياهو المتراجعة شعبيته وهو يتحضر لانتخابات مبكرة بسبب انشقاق في تحالفه الحاكم، حيث زاد من جنونه أيضاً حكم محكمة الاتحاد الأوروبي بحذف حركة «حماس» من قائمة المنظمات الإرهابية.

أما في منطقتنا العربية فقد كرّس عام 2014 ظاهرة كوننا نعيش في منطقة بلا نظام إقليمي.. مع استمرار انكفاء أميركا عالمياً، وفي الشرق الأوسط خاصة، ما شجع خصومها على استغلال ذلك التراجع وسمح لهم بهامش مناورات أكبر. وهذا استغلته إيران ببرنامجها النووي وتمددها وتفاخرها بالهيمنة، عن طريق حلفائها، على أربع عواصم عربية.. آخرها صنعاء. وبدْء تبلور تحالف أميركي- إيراني بتنسيق ورسائل سرية بين الطرفين. وكرس انتهاء ما سمي «الربيع العربي» الفوضى وعدم الاستقرار والصراع ضمن مكونات الدولة نفسها، وخاصة في سوريا واليمن وليبيا. وزادت حرب إسرائيل المحمومة والمدمرة على غزة في صيف عام 2014 ووصول صواريخ «حماس» للمرة الأولى لتل أبيب وحيفا والقدس في التصعيد ضمن توازن رعب مكلف للطرفين. وكذلك عمقت حالة اللانظام والفوضى وحشية ودموية نظام الأسد وأعوانه في سوريا التي تجاوز عدد ضحاياها ربع مليون وعدد جرحاها المليون وعدد مشرديها ولاجئيها عشرة ملايين! في تأكيد لكارثة العصر الجارية هناك.. ومع تفاقم خطر «داعش» في العراق وسوريا وسقوط صنعاء بيد الحوثيين في اليمن يتكرس ضعف نظام بعض الدول في المنطقة أمام صعود دور وحضور «اللاعبين من غير الدول» الذين باتوا في لبنان وسوريا والعراق واليمن وأفغانستان أقوى من الدولة المركزية الضعيفة والمنهكة.
&