&محمد خروب

&

&يُغلق التونسيون اليوم.. «كِتاب» المرحلة الانتقالية التي فجرتها الثورة، ويفتحون صفحة جديدة في كتاب بناء الدولة او الجمهورية الثانية (باعتبار بن علي امتداداً لبورقيبة أما المرحلة الانتقالية فهي.. عابرة) مُسجّلين في الان ذاته نضجهم وقدرتهم على تجاوز «فخ» الفوضى والحروب الاهلية الذي وقعت فيه شعوب عربية اخرى ارادت السير على خطى التوانسة الذين عجّلوا بالربيع العربي، فإذا به يتحول بعد ان تواطئ وكلاء الامبريالية في الداخل العربي مع عواصم الغرب الاستعماري، الى إعصار، مدمّر ارادوا من خلاله ان يطمسوا على فكرة القومية العربية وأن يحيلوها الى مجرد أوهام ورابطة هشة، كي يُصنّفوا العالم العربي بأنه «منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا» فاعتمد العرب (إقرأ الانظمة)، هذه التسمية، وبات «الرابط» العربي، مجرد رابط افتراضي لا تلحظه إلاّ برطانة اللغة ولغو الاعلام المزيف والكاذب والقطري والمناطقي بل وحتى العشائري والقبائلي على نحو بات كل «قطر» عربي مرشح للتقسيم والتشظي نظراً لخريطته الديمغرافية الفسيفسائية التي تم تركيبها في اتفاقية سايكس بيكو، المرشحة الان للسقوط، بعد ان استنفدت اغراضها وغدت الحاجة ماسّة الى رسم خرائط جديدة تأخذ في الاعتبار ان العرب لم يعودوا امة واحدة وان حلم الوحدة قد تبدد واندثر وان الحماية الخارجية مطلوبة من معظم الانظمة العربية التي أوكلت مصائرها لمن يُبقي على الحكام في كراسيهم والمستبدين في قصورهم.


ما علينا...


أنهى التوانسة استحقاقات المرحلة الجديدة، وبإغلاق صناديق الاقتراع للجولة الرئاسية الثانية.. مساء اليوم، ومعرفة ساكن قصر قرطاج «الجديد»، تبدأ عجلات الجمهورية الثانية بالدوران، بعد ان تم إقرار الدستور الدائم، الحداثي والديمقراطي – كما يجب التذكير – وانتخاب مجلس النواب الجديد واليوم رئيس الجمهورية صاحب الحق في تعيين رئيس الحكومة.


وإذ تبدو المعركة الرئاسية (الديمقراطية الحقيقية الاولى في تاريخ تونس منذ الاستقلال عام 1956)، وكأنها معركة كسر عظم بين تيارين لا يريد كل منهما «الاعتراف» بانتمائه الى احد منهما، كما هي حال الباجي قايد السبسي الذي يُوصف بانه امتداد لنظامي بورقيبة وبن علي، حيث «خدم» في كل منهما وتسلّم مناصب قيادية رفيعة، والمنصف المرزوقي الذي يحظى بدعم ورضى حركة النهضة الاسلامية بزعامة راشد الغنوشي الذي شاركه «الترويكا» الحاكمة بعد الثورة مع مصطفى بن جعفر للبرلمان والحكومة للنهضة، فضلاً عن دعم السلفيين الجهاديين للمرزوقي كما دلّت اصوات الجولة الاولى التي تحصّل عليها كل منهما، فان من المهم الاشارة هنا الى ان السبسي جيء به رئيساً للحكومة المؤقتة مباشرة بعد نجاح الثورة وانهيار حكم بن علي، ما يعني ان قوى الثورة والنخب التونسية لم تَرَ في الرجل امتداداً لنظام الاستبداد والفساد، فيما كان المرزوقي مجرد دمية في يد حركة النهضة واداة لتجميل صورتها ولم ينسجم مع قناعاته والادعاءات التي كان يرددها في منفاه الباريسي الباذخ عندما كان يرطن بحقوق الانسان، فذهب متحالفاً مع الاسلامويين والسلفيين ومتنكراً لمبادئ الحرية، بتأييده قوى التخريب والارهاب في اكثر من بلد عربي كسوريا وليبيا، قاطعاً العلاقات مع دمشق مستضيفاً مؤتمر «اصدقاء» الشعب السوري ومُسلّماً آخر رئيس وزراء في عهد القذافي للميليشيات، في تنكر معلن وموصوف لكل مبادئ حقوق الانسان، بصرف النظر عما اذا كان البغدادي المحمودي مجرماً ام بريئاً..


المعركة التي وضعت اوزارها.. تمحورت حول شعارين، الاول دعائي وبائس وإن بدا واثقاً بنفسه كالذي رفعه المرزوقي ويقول: «ننتصر أو ننتصر» وهي فذلكة لغوية تستبطن عجزاً عن انتاج شعار جاذب، وكأني به يقول اننا منتصرون في كل الاحوال، فيما اختار العجوز الَهرِمْ ولافت النشاط والحيوية (النسبية بالطبع) السبسي شعار «تحيا تونس» في محاولة لاستثارة حماسة التوانسة والعزف على كبريائهم الوطني..
ثمة في «معركة اليوم»–ايضاً ما هو جوهري واساسي للمرحلة المقبلة، وهو مستقبل العلاقة بين حزب نداء تونس الذي يتوفر على اغلبية وازنة في البرلمان (87 مقعداً) وحركة النهضة الاسلامية (69) مقعداً، حيث تشاركا رئاسة مجلس النواب بانتخاب (..) عبدالفتاح مورو الرجل الثاني في النهضة نائباً أول لرئيس المجلس، ما يعني ان نجاح السبسي، سيكون مؤشراً على استمرار هذه «الشراكة» حيث قال السبسي: ان حزبه لن ينفرد في الحكم، أما اذا جاءت النتيجة لصالح المرزوقي (وهو امر نحسبه مستبعداً) فإن الامور ستتدهور بينهما، وربما تؤسس لمرحلة من التراشق والتجاذب تفضي الى ازمة سياسية عميقة يصعب التكهن بأبعادها واكلافها..
فهل يرسل التوانسة المرزوقي.. الى البيت؟
الجواب سيُعرف قبل منتصف هذه الليلة.
&