عقل العقل

عالمنا، وبعد نهاية الحرب الباردة، أصبح أكثر خطراً وأقل استقراراً، فأصبحنا نرى تغيراً في أشكال الحروب والصراعات، والتي تقوم على أسس دينية وعرقية، ولاسيما في دول العالم الثالث، ومعظمها دول عربية وإسلامية.

&

الغرب الرأسمالي، وفي فترة صراعه مع المعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفياتي، كان يبشر أن العالم سيصبح أكثر ديموقراطية وعدالة، ودخل ذلك الغرب في سباق محموم مع السوفيات على مستويات عدة: اقتصادية وعسكرية وفكرية، وكانت معظم الدول العربية والإسلامية تقف مع الحلف الرأسمالي ضد الاشتراكية، لأسباب فكرية واضحة، ولكن النتيجة على العرب والمسلمين كانت كارثية بامتياز، فالغرب الرأسمالي، وبعد سقوط عدوه الاشتراكي، لا يمكن أن يحقق مصالحه السياسية والاقتصادية في ظل استقرار دولي، وعمل على خلق عدو ورقي هو الإسلام، ولا أستبعد أن يكون دعم القوى الغربية لقوى الإسلام السياسي والراديكالي يصب في مصلحة الغرب الرأسمالي؛ لأنه يعرف أن تلك الجماعات المتشددة لا يمكن أن تتصالح وتؤمن بالديموقراطية والعدالة لشعوبها.

&

فمثلاً لنقرأ تاريخ حركة «الإخوان المسلمون»، والذي يرى بعضهم أنها الأكثر عصرنةً وتساهلاً وقبولاً لقضايا المرأة والأقليات والعلاقة مع الآخر، لكن كلنا يعرف أن معظم الجماعات الاجتهادية على الساحة من «داعش» و«النصرة» والقوى الجهادية في ليبيا قد خرجت من رحم التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمون. إذاً الغرب، وفي دعمه لهذه الجماعات، هو لا يبحث عن بديل أكثر قبولاً بالعملية الديموقراطية، بل إنه يقرأ المستقبل التصادمي له مع هذه الجماعات في حال وصلت إلى سدة الحكم في دولها، وهذا يكشف الدعم الأميركي والغربي وبعض القوى الإقليمية لهذه الجماعة، على رغم أن بعضهم يردد أن أسباب هذا الوقوف إلى جانب هذه الجماعة هو لسحب البساط من القوى الأكثر تطرفاً منها، كالقاعدة وتنظيم داعش، وهذا مردود عليه، فهذه التنظيمات تنطلق من الآيديولوجيا والفكر المتطرف نفسه الذي يوظف الإسلام؛ لتحقيق مصالح سياسية صرفة، ولنا في التجربة المصرية أكبر مثال على برجماتية هذه التنظيمات الإسلاموية.

&

لا شك أن ما يُسمى «الربيع العربي»، يدخل وبشكل واضح برؤية الغرب؛ لخلق فوضى غير خلاقة دمرت الإنسان العربي، ودفعته إلى مزيد من اليأس في الحصول على حقوقه السياسية والاقتصادية والاجتماعية، كما نصت عليها مواثيق حقوق الإنسان العالمية. هذا المواطن العربي المسلم، وفي ظل ثقافة يغلفها التخلف بكل أشكاله، إضافة إلى فشل الدولة العربية الحديثة في مأسسة أنظمتها السياسية وبناء دولة المواطنة، كل هذا الانغلاق دفع التغير في عالمنا أن يولد مشوهاً ومدمراً.

&

أما ما يطرحه بعضهم بأن الثورات تحتاج إلى أعوام لتحقيق أهدافها فهذه مقولة ممجوجة، يدفع المواطن العربي ثمنها حياتياً وتنموياً، فالتغير والثورات لدينا فقط ثارت على الشكل السياسي، ولم تطالب بتغيير الثقافة السائدة، الدينية والاجتماعية، والغرب يقرأ واقعنا وتاريخنا أكثر عمقاً منا للأسف، فاختار الدين الإسلامي وحركاته السياسية وعوَّل عليها؛ لإحداث التغير أو الثورة أو ما يسمى «الربيع العربي»، وكلنا يعرف أن إشكالية إدخال الدين في السياسة هي مراهنة خاسرة لشعوبنا، لمعرفة ذلك الغرب بحال التمزق بين القراءات المتعددة للإسلام، وكل منها يدعي أنه يمثل الإسلام الحق، وهذا ما نشاهده الآن في منطقتنا من حروب بيننا على أسس طائفية لم نشهد لها مثيلاً في مرحلة الحرب الباردة.

&


&