هاني الظاهري

تقارير عدة تناولتها وسائل إعلام عربية وأجنبية طوال الأشهر الماضية، حاولت أن تضع مجموعة من التفسيرات لظاهرة هروب نساء أوروبيات من بلدانهن إلى العراق وسورية؛ للانضمام إلى تنظيم «داعش»، والزواج من الإرهابيين وفق ما عُرف إعلامياً بـ«جهاد النكاح»، فـ«غارديان» البريطانية على سبيل المثال نشرت تقريراً مهماً، في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، يؤكد أن نحو 25 في المئة من النساء الغربيات اللاتي التحقن بالتنظيم فرنسيات، فيما كشف الرئيس السابق للأمن الفرنسي لويس كابريولي أن التنظيمات الإرهابية تجند النساء الفرنسيات، ومعظمهن دون الـ24 من العمر، لجهاد النكاح وفق فكرة ضرورة وجود أطفال للإرهابيين؛ لمواصلة انتشار الإسلام بالمفهوم «الداعشي»، وفي حال قُتل أزواجهن، فإنهن سيُمنحن اسم زوجة شهيد، وهي «مكانة» ذات قيمة شرفية مهمة في التنظيم.

تقارير أخرى أشارت إلى أن التنظيم يصرف رواتب مجزية للنساء الغربيات، إلى جانب أنهن يحصلن على مناصب قيادية في الشق النسائي منه، فـ«ديلي ميرور» البريطانية نشرت في أيلول (سبتمبر) الماضي تقريراً عن نساء بريطانيات أصبحن يدرن بيوتاً لـ«المناكحة» في الرقة شرق سورية؛ للترفيه عن مسلحي «داعش»، باسم «لواء الخنساء»، موضحةً أن هذه البيوت ليست سوى معتقلات لمئات النساء الإيزيديات، اللواتي خُطفن من العراق وجُعلن جواري مستعبدات جنسياً لأفراد التنظيم، وكشف التقرير أن من قائدات القوة البوليسية النسائية الشابة الأسكتلندية أقصى محمود.

كثير من المعطيات عن نساء «داعش» الشقراوات بجانب ما تطرحه النظريات النفسية والاجتماعية، تقود الباحث إلى اكتشاف أن غالبيتهن ينتمين في الأساس إلى أقليات عربية وإسلامية، مسحوقة بالفقر والجهل والتهميش، قبل أن يكنَّ أوروبيات، وهو ما يشعرهن بعقدة النقص داخل المجتمعات الغربية، ويدفعهن نحو الهرب باتجاه ما يعتقدن بأنه سيمنحهن سجلاً شرفياً ومكانة أفضل، وهذا يتوافق مع ما أشارت إليه الزميلة كاتبة «الحياة» عبير الفوزان، في مقالتها «تصدير نساء عالي المستوى»، عندما روت حادثة جمعتها داخل عربة المترو في إسبانيا بفتاة ليل مغربية شبه عارية وثملة تحولت فجأة إلى مفتية وفقيهة إسلامية، مهاجمةً فتاتين مسلمتين محجبتين جلستا أمامها بحجة أنهن لا يرتدين الحجاب بالشكل الشرعي الصحيح.

هذا بالضبط ما يمكن وصفه بمحاولة التميز الديني، الذي يشكل الحصن الأخير للمسحوق بعد انعدام أي قيمة معنوية أو اجتماعية له، ولنا أن نتخيل المجد المعنوي الذي ستحققه هذه المرأة لنفسها بعد أن استهلكتها سوق الدعارة إن التحقت بتنظيم داعش، وأصبحت «قيادية» يشار إليها بالبنان في دولة «الإرهاب الديني» المزعومة، هذا طبعاً إلى جانب حصولها على الامتيازات المالية الأخرى، التي لم تكن تحلم بها في البارات والنوادي الليلية.

بالمجمل، تظل ظاهرة «نساء داعش الشقراوات» مادة مثيرة للبحث، حتى وإن بدت نتاجاً منطقياً لثقافة سوداء كامنة في أرواح وعقول فئات قذفت بها ظروفها في أزقة المدن الأوروبية يوماً ما.

&


&