حسن عبدالله جوهر

إذا كانت كل أرصدتنا بالدولار الأميركي، وهو العملة الوحيدة التي لا تغطيها عملة صعبة أو الذهب أو البترول لأنها مجرد أوراق عادية مطبوعة، فقد نقول لصناديقنا السيادية الوداع، حتى في حال مطالبتنا بها فقد لا تسمن ولا تغني من جوع، ومثل هذه التحذيرات أطلقتها مؤسسات اقتصادية عالمية وفي مقدمتها صندوق النقد الدولي.

هل يتوقع أن تعلن بعض دول الخليج ومن بينها الكويت إفلاسها على ضوء تدهور أسعار النفط من جهة، وتراجع النمو الاقتصادي العالمي من جهة أخرى؟ وهل تعي حكومات المنطقة حساسية وضعها المالي والمخاطر التي تحوم حول مصادر إيراداتها؟ وهل تتمتع سياساتنا الاقتصادية بدرجة محترمة من الشفافية والمصداقية لمصارحة الرأي العام الشعبي بحجم التحديات المالية المرتقبة وطرق علاجها أو مواجهتها؟
أسئلة مهمة تطرق الأسماع بينما أسعار النفط الخام تسقط سقوطاً ذريعاً، فقد خسر برميل النفط أكثر من نصف قيمته خلال شهرين فقط، وفي حالة استمرار السعر الحالي عند 60 دولاراً للبرميل فإن الخسارة الحقيقية لدول الخليج مجتمعة سوف تبلغ مليار دولار يومياً وهذا رقم مخيف حقاً.


المصيبة الكبرى لا تكمن في هبوط أسعار النفط فحسب، فهذه سلعة تخضع لقوى السوق، ولو أن دولاً خليجية تعمدت خفض الأسعار كعقوبة سياسية نيابة عن الولايات المتحدة وحلفائها ضد كل من روسيا وإيران، ولكن يبدو أن الأمور قد خرجت عن السيطرة، وبات صراخ الخليجيين لا يقل في عويله عن الروس والإيرانيين.


هناك مصيبة أخرى قد لا يفطن لها الكثير من الناس، وهي الصناديق السيادية لدول الخليج، وهي عبارة عن مخزون ضخم من الأموال جلها تراكم من مبيعات النفط أيام عزه، وتستثمر في مختلف القطاعات المالية والاقتصادية في الولايات المتحدة بشكل خاص، وعوائد الاستثمار من هذه الصناديق قد تكون صمام أمان كبير لتغطية العجوزات المالية الفادحة التي تعصف بموازناتنا السنوية، إلا أن هذه الصناديق تبقى لغزاً محيراً، فحتى الآن يكتنف الغموض والسرية حجم الأموال والأرصدة، إذ يقدرها البعض بأربعة تريليونات دولار لمجموعة دول مجلس التعاون مع أكبر حصة لكل من السعودية والإمارات، في حين تحددها مصادر أخرى بـ2.5 تريليون دولار، أي أن الفوارق في التقديرات عظيمة جداً.


مثلما هي الحال مع النفط فإن الصناديق السيادية لا تخلو من مشاكل حقيقية، في عام 2008 وبسبب أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة التي امتدت لتكون أكبر أزمة مالية في التاريخ البشري، خسرت الصناديق الخليجية نحو 30% من أصولها، واليوم تستمر حالة الركود الاقتصادي في الغرب، في حين الولايات المتحدة قد تدخل في خانة العجز، فإذا كانت كل أرصدتنا بالدولار الأميركي، وهو العملة الوحيدة التي لا تغطيها عملة صعبة أو الذهب أو البترول لأنها مجرد أوراق عادية مطبوعة، فقد نقول لصناديقنا السيادية الوداع، حتى في حال مطالبتنا بها قد لا تسمن ولا تغني من جوع، ومثل هذه التحذيرات أطلقتها مؤسسات اقتصادية عالمية وفي مقدمتها صندوق النقد الدولي، فليراجعها وزراء المالية والنفط والتجارة ورؤساء الحكومات الخليجية قبل أن تبلع أميركا أموالنا وتشرب عليها نفطنا أيضا!
&