محمد علي فرحات

انتظرت الهند 67 عاماً على استقلالها لتتشبّه هذه الأيام بباكستان التي كانت انفصلت عنها عام 1947 لتكوّن دولة دينية للمسلمين الهنود، لم تستطع ضمهم جميعاً فبقي ما يزيد على مئة مليون منهم في الهند.

ناريندرا مودي قائد حزب «بهاراتيا جاناتا» ورئيس وزراء الهند حالياً، يستعيد دور ضياء الحق، وإن من طريق صندوق الانتخابات، فهو يتناسى تداول السلطة في بلده وأن الهند دولة ديموقراطية علمانية كما ينص دستورها وكما يتطلب حكم شعوب، يصعب عدّها، متعددة القومية والدين واللغة. يجلس الرجل على الكرسي ويلطخه بألوان حزبه الديني اليميني، مقرراً إقامة دولته الهندوسية انطلاقاً من المهمة الأغرب والأصعب، تغيير ديانة غير الهندوس بالترغيب والترهيب. ولن توقف هجمته فضيحة الاحتفال بتحويل عدد من المسلمين إلى الهندوسية، بدعوى العودة إلى الديانة الأصلية والتخلص من ديانات كالإسلام والمسيحية والسيخية، يعتبرها «بهاراتيا جاناتا» وأحزاب متشددة أخرى، ديانات طارئة.

في محطة الانحدار هذه يناضل الديموقراطيون الهنود ضد تحويل بلدهم دولة هندوسية، وسيكون نضالهم صعباً مع وجود المثال- الضد، باكستان. فإذا كان المسلمون أقاموا دولتهم فلماذا يتلكأ الهندوس، ويرضون، هم الأكثرية، بالاندراج في الموزاييك المسمى ديموقراطية؟ هنا، تعوّل النخبة الهندوسية المستنيرة على المصالح كي تحفظ ديموقراطية أعطت الهند دفعاً اقتصادياً وعلمياً وجعلتها عضواً في مجموعة دول «البريكس» الناهضة، ونموذجاً يُحتذى لخروج بلدان آسيوية عدة من أزمة الهوية وصعودها من بئر التخلف. هذا، فضلاً عن ضغوط يمكن أن يمارسها المجتمع الدولي للحدّ من اندفاعة ناريندرا مودي وحزبه المتغطرس.

الأزمة التي افتتحها المتعصبون الهندوس لن تجد حلاً حقيقياً إلا بحل الأزمة الوجودية في باكستان، حيث يسهل في دولة قامت على الهوية الدينية (الإسلامية) أن يبرز متطرفون ويحملوا السلاح ويربكوا الدولة وجوارها الجغرافي، كما حال «طالبان» التي أرادتها الأجهزة الأمنية الباكستانية سبيلاً إلى منع قيام دولة مستقرة في أفغانستان والعمل على إضعاف الأفغان غير البشتون، لكن «طالبان» أسست فرعاً لها نشطاً وأكثر تطرفاً في باكستان، معيدة بذلك السمّ إلى صحن طابخه، وعاملة على تآكل الدولة بالجرائم الصافية، كما في المذبحة الكبرى أخيراً لطلاب مدرسة في بيشاور، ارتكبتها «طالبان» ولم تعدم وجود أصوات تدافع عن المجرمين وتبرر قتلهم الأبرياء، كما جاء ذلك ببساطة على لسان مولانا عبدالعزيز إمام الجامع الأحمر في إسلام آباد.

كانت الهند وباكستان تتقاسمان دولة جامو وكشمير وتفرغان شحنة التعصب الديني بالقتال عند حدود خط التقسيم، وها هما تنقلان الأزمة من المسرح الكشميري إلى الداخل، فتحسد كل منهما الأخرى على تخلفها السياسي والاجتماعي، وتتبارزان في أي منهما أكثر تعصباً من الأخرى.

الهند وباكستان، جسم حضاري واحد جرى تقسيمه قبل سنة من إنشاء دولة إسرائيل في المشرق العربي، لذلك فهما في حال ارتباط إيجاباً أو سلباً، تتقدمان معاً أو تتراجعان معاً. أما الآن فهما تتراجعان.
&