&عبدالحميد الأنصاري

&&
مجلس الشورى السعودي منشغل بجدل قديم متجدد حول قضية تنظيم الإنجاب أو "الخصوبة" طبقاً لـ"وثيقة السياسة السكانية"، والأعضاء منقسمون إلى فريقين: فريق متحمس لتكثير النسل بهدف زيادة المواطنين، وفريق آخر مع تنظيم الخصوبة عبر المتباعدة بين الولادات– أي ترك مسافة زمنية بين الولادة والأخرى– حفاظاً على صحة الأم والمولود وبهدف تجويد "الصحة الإنجابية".


ومعلوم أن المجتمع السعودي الأعلى والأسرع نمواً خلال العشرين عاماً 86% ليصل السكان إلى "28.4 مليوناً" قبل سنتين– حسب بدر الخريف، الشرق الأوسط– وبطبيعة الحال فإن للفريقين ما يسندهما دينياً واقتصادياً وصحياً وأمنياً، ويستحضر في هذا المجال، فتوى لهيئة كبار العلماء عمرها 40 عاماً، تحرم تحديد النسل أو تعظيمه إلا لعلة مرضية، لأن الإسلام رغب في تكثير النسل "فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة".
وجهتا النظر محترمتان لكن اللافت في مناقشات الفريق المتحمس لزيادة الإنجاب، أن منطلقاتها يحكمها هاجسان:
1- هاجس مواجهة الأعداء المتربصين بالمملكة، ولذلك يطالبون بزيادة النسل لتكثير حملة السلاح، أي أنها قضية "أمن وطني" وعندما قامت الدكتورة لطيفة الشعلان– والتي استحقت التصفيق بجدارة– بتفنيد حجة التخويف بالحروب لتمرير زيادة النسل، وقالت: إن الجيوش الحديثة لم تعد تدار برشاشات الكلاشنكوف إنما بالتقنية والحرب الإلكترونية وطيارة من دون طيار، رد مندوب العسكر بأن الحرب الإلكترونية غير كافية خصوصاً في حرب المشاة والإنزال المظلي، وأن هذا ما أفشل الحلفاء في حربها على "داعش"، بحسب رأيه.
2- هامش المؤامرة الدولية المتربصة بالمسلمين، لتقليل نسلهم وإشاعة الإباحية والمثلية بينهم وتدمير أخلاقهم، بهدف هيمنة الحضارة المعاصرة وتسويق قيمها، وهو نفس الهاجس الذي عللته الفتوى القديمة، حين وصفت الدعوة لتحديد النسل بأن هدفها الكيد للمسلمين حتى يكون "للأعداء" القدرة على استعمار بلاد المسلمين وأهلها.
والمطالبون بتشجيع الإنجاب وتكثيره معذورون في مخاوفهم، وهم ليسوا وحدهم في ذلك، انتقل إلى الضفة الأخرى من الخليج، واستمع إلى تصريحات مرشد الجمهورية الإسلامية آية الله خامنئي بشأن ضرورة الزيادة السكانية، وأنه كان يرتعب خوفاً من انخفاض عدد السكان، وتأمل تصريح الخبير الاستراتيجي حسن عباسي الذي قال إن أعداء الإسلام، ومن خلال مشاريع منظمة الصحة العالمية، يسعون إلى منع القوة البشرية من العمل على زيادة الاقتدار الوطني، مما دفع البرلمان الإيراني إلى المصادقة على مشروع فوري بزيادة نسبة إنجاب الأطفال والحيلولة دون انخفاض معدل نمو السكان عبر برنامج من 14 نقطة، يهدف إلى مضاعفة سكان إيران إلى 150 مليوناً بحلول 2050، مع فرض الحظر على "الإجهاض" و"التعقيم" ومنع ترويج دعايات الحد من الإنجاب، وإنزال عقوبات بحق المخالفين.
ثم انتقل إلى فلسطين وبخاصة "غزة" حيث الإنجاب ضرب من الجهاد، كما عبرت عنه أم سليم– 7 أولاد، 40 عاماً– مشددة بأن على كل أم غزاوية السعي إلى تعويض الشهداء، ولا يهم كون زوجها يعاني ولا يكسب ما يسد حاجتهم، ويركب شبان كثيرون البحر طلباً للهجرة فيموتون غرقاً!
هناك قناعة جماهرية سائدة لدى الفلسطيينين والعرب والمسلمين، ومضمونها أن "الإنجاب هو السلاح الأقوى لمواجهة الأعداء"، فقبل عدة سنوات اقترح الكاتب أحمد الخالدي، حلاً للقضية الفلسطينية يقوم على المراهنة على "آلة الإنجاب" الفلسطينية، حيث تشكل تلك الآلة "القنبلة الديمغرافية" الكفيلة بتفجير إسرائيل من الداخل، في ظل تناقص مواليد اليهود وتزايد مواليد الفلسطينيين، وسماه "حل الدولة الواحدة" بديلاً عن الحل الفتحاوي "حل الدولتين" والحل الحمساوي "إزالة إسرائيل".
وعلق عليه الكاتب سعود كابلي، مؤيداً دعم "الحل الديمغرافي" في مقالة طريفة بعنوان "عندما يصبح الإنجاب أفضل أسلحتنا": وبعد: فإن المسلمين فرحون، لأنهم يتزايدون بينما الأوروبيون يتناقصون، ومدارسهم تغلق سنوياً لعدم وجود طلاب، وكنائسهم تباع للمسلمين لتتحول إلى مساجد، يعتقد المسلمون أن الكثرة مطلوبة ومحمودة، تضمن لهم الأغلبية العددية على أتباع الأديان الأخرى، طبقاً لما نشرته منظمة المؤتمر الإسلامي قبل سنوات في كتاب، جاء فيه أن عدد المسلمين سيفوق بحلول 2025 عدد أتباع الأديان الأخرى جميعها؛ لذلك يعارض الدعاة والوعاظ وآخرون بشدة سياسة "تنظيم النسل"، ويرونها "مؤامرة غربية" لتجريد المسلمين من سلاحهم الوحيد الذي رزقهم الله تعالى به لتتوازن مع طغيان القوى الغاشمة، كما عبر بعضهم.
يقف الرمز الديني الكبير، متحدياً مباهياً، فوق المنبر: إذا كان الغرب يملك القنابل الذَّرية – بالفتح- فنحن نملك القنابل الذُرية –بالضم-!
ويبقى أن نقول: ليت هؤلاء يتحمسون للكيف النوعي، تحمسهم للكم العددي، الكم العددي لن يعوض النقص مهما طالت قائمة الشهداء، وها هي إسرائيل ذات الـ"6" ملايين تتحدى 1.5 مليار مسلم! وكثيراً ما يستحضر هؤلاء المتحمسون لتكثير النسل حديث "المباهاة"، ويتناسون الحديث الآخر "أمن قلة نحن يومئذ يا رسول الله، قال: بل أنتم كثرة ولكنكم غثاء كغثاء السيل".
ليتنا إذا كنا نحتفي بكثرة الإنجاب، نحترم قيمة حياة الإنسان وكرامته وحقوقه ونهتم بحقوق الأطفال، العالم يتناسل ليسعد ويستمتع ويعمر ويبني وينتج ويبدع، ونحن نتناسل ليكون أبناؤنا وقوداً في حروب بعضنا ضد بعض!
&