محمد خلفان الصوافي


يبدو أن المدعو يوسف القرضاوي، أحد المحسوبين على دولة قطر الشقيقة وكذلك على تيار laquo;الإخوان المسلمينraquo;، قد استهوته لعبة الإساءة إلى دولة الإمارات وحكامها، وذلك بإطلاق الخرافات واختلاق الأكاذيب باعتبارها حقائق.

الكثيرون من أبناء الإمارات والخليج شعروا بالاستغراب والأسى من الموقف الرسمي laquo;الباهتraquo; لدولة قطر، والذي عبّر عنه وزير خارجيتها خالد بن محمد العطية، بشأن تطاول القرضاوي على الإمارات وحكامها، فتم استدعاء السفير القطري في أبوظبي وتسليمه رسالة احتجاج في سابقة خليجية لم تكن الإمارات ترغب فيها. ولم يكن تبرؤ وزير الخارجية القطري، هو التصرف الذي ننتظره ممن نفترض أنه تربطنا به علاقات عائلية وسياسية لا تسمح لأي شخص كان بأن يمسها. وإذا كان الأمر كذلك بالنسبة إلى قطر، فإننا في الإمارات لا يمكننا وصف ما قاله القرضاوي إلا بأنه أسلوب رخيص يحاول من خلاله تكريس أوهامه على أنها حقائق، وبالتالي يجب على دولة قطر ألا تسمح له باستخدام منابرها الإعلامية والدينية في الإساءة إلى أشقائها.

لم تُواجه تصريحات القرضاوي التي جاءت قبل أسبوعين على منبر الجمعة، والتي زعم فيها أن laquo;الإمارات تقف ضد كل حكم إسلاميraquo; أي تصعيد من قبل الإمارات، انتظاراً لموقف حكومة دولة قطر، لكن جاءت تصريحات وزير خارجيتها بعيداً عما كان متوقعاً في حده الأدنى. ولم تلق تصريحاته أي اهتمام؛ لأن الإماراتيين وكثيراً من المسلمين وغيرهم يعرفون حقائق موقف الإمارات فيما يخص الإسلام والمسلمين، ولا نحتاج إلى شهادة مَن تعوَّد على تغيير مواقفه وفق الأهواء السياسية.

الإماراتيون لم يكن في نيتهم أبداً أن يكونوا طرفاً في مهاترات مع شخص يُفترض أنه من بين النخبة الدينية في العالم الإسلامي، غير أن استمراره في لعبة الإساءة إلى دولتنا وقياداتها- وخاصة أن الأشقاء في قطر يتركون له العنان لأهوائه الشخصية ولأهدافه السياسية التي بانت بوضوح في أكثر من موقف- يتطلب من الإمارات حكومة وشعباً توضيح موقفها الرافض للإساءة إليها، وفي الوقت نفسه عدم الانسياق إلى أسلوبه الهابط في الرد.

القرضاوي يستغل الدين الإسلامي في توظيفه لأهدافه السياسية ومتناقضاته التي ليس فيها أي مصلحة للإسلام، غير ضلالات وأوهام يتصورها القرضاوي وفق معاييره الخاصة. وقد تكون وراء ذلك وجهة نظر خاصة به لا يفهمها إلا هو، على اعتبار أنها وجهة نظر غير موضوعية، وعلى اعتبار أن مواقفه لم تخدم يوماً الدين الإسلامي بقدر ما تخدم جماعة laquo;الإخوانraquo; التي ينتمي إليها. والقرضاوي يتعمد أن يبث قناعاته السياسية من خلال laquo;اختطافraquo; منبر صلاة الجمعة أو من خلال قناة الجزيرة كي يضمن لإساءاته وتشويهه للحقائق انتشاراً كبيراً. ويتعمد كذلك الانتقاص من الدور الإسلامي لدولة الإمارات في كل أنحاء العالم، وما حققته من نجاحات يشهد لها القاصي والداني، مع أن كل ذلك كان محط إعجاب القرضاوي نفسه في يوم من الأيام قبل أن laquo;يتحولraquo; في laquo;مبادئهraquo;!

الإمارات اعتادت أن تترفع عن الرد على حروب القرضاوي الكلامية لسببين: الأول؛ هو تقدير الدولة الشقيقة التي يعيش على أرضها واحتراماً لمن يقدرون laquo;الشيخraquo;. والسبب الثاني، وهو الأهم، أن دولة الإمارات تقف على أرضية صلبة فيما تفعله لصالح الإسلام، وهي تفضل التفرغ للعمل والإنتاج وخدمة الإسلام بشكل حقيقي بدلا من إضاعة الوقت في زيادة تدوير الأكاذيب والإساءات، خاصة أن دولة الإمارات لا تلجأ إلى تدبير المكائد والمؤامرات، الطريقة التي يتقنها laquo;الشيخraquo; وأتباعه. وما فاته تعمداً، أن ما تسعى إليه دولة الإمارات وحكامها هو الاستقرار السياسي للدول الإسلامية، بدلا من اقتتال المسلمين وتأزيم الأوضاع وإثارة الصراعات والفتن بين الأشقاء.

الطموحات الشخصية للقرضاوي هي إحدى الإشكاليات التي نعاني منها كدول إسلامية، بدءاً من فتاوى laquo;الاستشهادraquo; في العمليات الانتحارية ومروراً بتقسيم المجتمع الإسلامي لأسباب طائفية، وصولا إلى مراعاة مصلحة laquo;الجماعةraquo; على حساب الأوطان. وهذا بالطبع ما يفسر السموم التي يطلقها laquo;زوراًraquo; على أنها حقائق. نقول هذه الحقائق فقط توضيحاً؛ لكي لا يخطف القرضاوي عقول من لم تتح لهم فرصة التعرف وفهم خلفيات ما يقوم به.

ويخطئ القرضاوي ومن يدعمه إذا تصور للحظة أن النيل من الإمارات يعيد له قدراً من احترامه الذي فقده، وبالتالي لم يبق لمصداقيته شيء من الاحترام والتقدير. وتصريحاته ليست سوى تعبير عن جمود في عقل لا يرى سوى ما يريده، ولا يعبر بأي شكل عن منطق واقعي. ويبقى الشيء الغريب بالنسبة لنا في الإمارات هو موقف الشقيقة قطر بشأن تجاوزاته المتكررة، باعتبار أن ما قاله يسيء إلى قطر نفسها، وهو ليس أكثر من مثار للسخرية في دولة الإمارات.

والجانب الإيجابي في محاولة القرضاوي التطاول على الإمارات، أنه مؤشر مناسب لمعرفة حقيقة مستوى تفكيره وطريقة laquo;تكييفهraquo; المواقف الدينية لخدمة طموحاته السياسية والتيار الذي ينتمي إليه. وأعتقد أن هذا يساعد الرأي العام على معرفة أن هناك منابر دينية laquo;مختطفةraquo; لمن يتحدثون باسم الإسلام، ويساعد على فهم أن من أبجديات تمثيل الدين الإسلامي laquo;الرقيraquo; في مخاطبة الناس ونقل الحقائق.

منطق القرضاوي يقول إن الأولوية لديه هي جماعة laquo;الإخوان المسلمينraquo;. والقول بأن تحركه من أجل الإسلام لا يحمل أي قدر من العقلانية الدينية، وإلا لاتجه تفكيره نحو البحث عن الاستقرار السياسي والمجتمعي للدول الإسلامية والعربية. وخطابات القرضاوي العبثية لن تفرز إلا مزيداً من الكراهية له. والتفسير الوحيد والأقرب إلى المنطق أن ما يفعله هو دليل على أنه لم يعد يتمتع بأي تأييد في المجتمع الإسلامي، وبالتالي يبحث عن دور إعلامي له ولمن يدعمهم.

تقلبات القرضاوي أفقدته كثيراً من مصداقيته التي كان يلقاها في المجتمع الإسلامي. وربما يكون من مصلحة دولة قطر أن تتركه يواصل مسيرة تشويه الحقائق وتغيير مواقفه السياسية لتزداد خساراته، وربما يصل إلى حد يغلق ملفه ضمن الملف laquo;الإخوانيraquo; الذي هو في طريقه نحو الانغلاق بالكامل!