علي دنيف حسن


لم تعد أسرار التلاعب بالعقول خفية عن الكثير من الناس ولا سيما المهتمين بهذا الأمر، وقد باتت الكثير من تلك الأسرار تتكشف نتيجة البحوث الكثيرة في ميادين علمية مختلفة أبرزها علوم اللغة وعلم النفس والإعلام والاتصال. ومع كثرة هذه البحوث واتاحتها للجميع إلا ان الكثير من الناس ما زالوا يبحثون عمن يخدعهم بأساليب وحيل كلامية أغلبها قديمة للأسف.
أول هذه الحيل ما يمكن ان نسميه بالمقارنة المتعسفة، أي مقارنة شيئين يبدوان متشابهين في الظاهر إلا انهما يختلفان كل الإختلاف من نواح ووجوه عديدة في واقع الأمر، ومن ذلك ان يقارن أحدهم أغنية لمطرب ريفي من الدرجة الثالثة بأغنية تعد من روائع أم كلثوم أو عبد الحليم حافظ، وهذه مقارنة متعسفة الهدف منها الحط من قيمة الغناء العراقي، وكان الأحرى بالمقارن ان يقارن ما بين مطربنا الريفي المتواضع وما يماثله من مطربين آخرين، وعلى نفس المنوال كان بعض ضباط الجيش العراقي السابق يحطون من قيمة المراتب العسكرية الدنيا بهذه الحيلة نفسها فيقولون لأحدهم:
أأنت نائب عريف، وهتلر نائب عريف؟!


ويمكن بالطبع ايراد امثلة على هذه الحيلة في شتى مجالات الحياة، ويتناسى اصحاب هذه الحيلة اختلاف الواقع والظروف بين نموذجي المقارنة.
ومن الحيل الأخرى العبارات المجانية التي لا تقدم معلومات دقيقة عن الواقع مثل:
الغالبية العظمى، والكثير، وبعض، وعلى طريق الازدهار والتقدم، والعيش الرغيد، ونسبة عالية جدا، وضئيلة جدا، والغد المشرق، والاقبال الشديد أو المحدود، وبلا حدود وبلا نهاية، وهي عبارات كثيرة لا يمكن عدها في هذه الاطلالة السريعة.
مثل هذه العبارات يمكن ان تثير المشاعر الايجابية أو السلبية في نفوس متلقيها على الرغم من انها قد تكون غير مبنية على وقائع حقيقية، وهنا تكمن خطورتها المتمثلة بالتأثير في عقول المتلقين.
من الحيل الأخرى اللجوء إلى لغة الأرقام، وتعتمد هذه الحيلة على عجز العقل الانساني عن المقارنة السريعة فيما يتلقاه كأن يقال لبعض العاملين ان خمسة بالعشرة فقط هو ما تم اقتطاعه من مخصصاتكم، وسترى عقول العاملين ان تلك النسبة ضئيلة جدا لأول وهلة، وهذا ناتج عن تعامل عقولهم مع الأرقام البسيطة. لكن الحقيقة ان هؤلاء العاملين سيصابون بالصدمة إذا ما قيل لهم ان خمسين بالمئة هي نسبة ما تم اقتطاعه من مخصصاتكم، وهذا هو الواقع الفعلي للنسبة المئوية.
وعلى هذا الغرار يتم تسعير الكثير من السلع والبضائع استنادا لهذه الحيلة نفسها فبدلا من ان يقال لك ان سعر هذه السلعة مليون دينار، يقال لك ان سعرها 970 ألف دينار فقط، وبذلك تنسى كلمة المليون الصادمة، ولا تفكر حتى بالسبعين ألف المضافة على التسعمئة ألف، ويرى عقلك ان الرقم المطلوب هو تسعمئة فقط، وفي مثل هذه الحيلة تلعب كلمة( فقط) دورا سحريا جاذبا لأنها تدل على ان ما قبلها مبلغ ليس له أية قيمة.
ومن ذلك، ما نراه مكتوبا على لافتات تنفيذ مشاريع الاعمار والبناء، إذ نجد انها تحدد بالأشهر لا بالسنوات لكي لا يصاب قارئها بالصدمة، فيكتب ان مدة التنفيذ 36 شهرا فقط والمقصود طبعا ثلاث سنوات كاملة، وسيذهب عقل القارئ إلى الأشهر ويتصور انها قليلة جدا لا سيما وانها متبوعة بكلمة( فقط) السحرية، وسيعدها مدة قليلة جدا وكأنها أيام لا سنوات طويلة.
بمرور الأيام تزداد الحيل( لم أشأ ان اسميها أساليب) وتتشابك مع الصورة ولغة الجسد ومؤثرات أخرى، وهي موضوع دراسة وبحث متجدد في دول الغرب وتدرس على وجه خاص للقادة والمسؤولين ولنجوم المجتمع، أما نحن فليس سوى ميدان تجارب لتلك البحوث والدراسات!