رأي القدس

تتنافس الحكومات العربية حالياً في أمرين: الأول، إصدار قوانين إرهابية باسم lsquo;مكافحة الإرهابrsquo;، والثاني، تأمين كل أسس الإستمرار لمنع أي حراك سلميّ والدفع بأي طرف سياسي معارض نحو اتخاذ سبل كفاح عنفية بحيث تستمر الدورة الجهنمية للاستبداد والتسلّط.


تقوم حكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بعقد مؤتمر ضد الإرهاب، فيما يستخدم جيشه أساليب النظام السوري الإرهابية في إنهاء الحراك السلمي والمدني باستهداف المدن وحصارها وإجبار أهاليها على النزوح لدفن شعارات العدالة والمساواة ووقف التمييز الطائفي الممارس ضدهم، وكلّ ذلك تحت زعم lsquo;محاربة الإرهابrsquo; وrsquo;القاعدةrsquo; التي تغافلت سلطات المالكي، في عمليّة مشبوهة، عن هروب مئات من عناصرها من سجونه، كما فعل شقيقه النظام السوريّ سابقاً، لتكون شمّاعته لتجييش العراقيين على أسس طائفية ولتكون مرآته العنفيّة لتبرير ذبح شعبه.
يتناسى العالم، في lsquo;حماوة الدمrsquo; المسفوك على الجغرافيا العربية، أن مصطلح الإرهاب تم ابتداعه في أوروبا اثناء الثورة الفرنسية وخلال حكم lsquo;اليعاقبةrsquo;، وهو ما يشير إلى أن الإرهاب، بمعناه الشموليّ الفظيع، هو إرهاب الدولة على طريقة ستالين وهتلر وماو تسي تونغhellip; على المستوى العالمي، وحافظ الأسد ومعمر القذافي ونوري المالكي، على المستوى العربي، إنه إرهاب الحكّام لمحكوميهم والذي لا يمكن لأي إرهاب آخر أن يتفوّق عليه.
المالكي الذي يكافح lsquo;الإرهابrsquo; هو نفسه الذي يشرف، من مناصبه التنفيذية والدفاعية والأمنية، على 12 ميليشيا طائفية مسلحة تعيث الفساد في العراق وسوريا (وتتحرّش إحداها بالسعودية التي يتهمها بالإرهاب)، ويتفاخر زعماء هذه الميليشيات على قنوات التلفزيون متحدثين عن بطولات قواتهم في المذبحة الدائرة على أراضي سوريا، وهو نفسه الذي يسمح بمرور الأسلحة الإيرانية إلى هناك، برّاً وجوّا، في خرق واضح لقرارات الأمم المتحدة، ثم لا يخجل عن الحديث عن ضرورة الحلّ السلميّ في سوريا وعن الوحدة بمواجهة الإرهاب.
أما تحفة المالكي في مكافحته للإرهاب العالمي فهي اختياره وزير نقل حكومته مهدي العامري، زعيم أحد أشرس هذه الميليشيات (فيلق بدر)، والتي هي نظير تنظيم lsquo;داعشrsquo; الشهير في أفعالها، ووالد صاحب فضيحة إعادة الطائرة اللبنانية بركابها من بغداد الى بيروت عقوبة وجزاء لهم لعدم انتظاره 20 دقيقة.


يشتغل نظام الاستبداد في طبعته العربية بدأب وقسوة متناهية النظير على خلق تنظيمات معارضة عنفيّة لتبرّر عنفه وانتهاكاته الخطيرة لحقوق الإنسان، ويزدهر على التمييز الطائفيّ لمنع أي وحدة بين مكوّنات شعبه، لينشغل مواطنوه بقتال بعضهم بعضاً على أسس طائفيّة، بدل المطالبة بإنهاء الاستبداد والتسلط والفساد، فيما المستبدّ جالس على عرشه مفاخراً بمكافحته lsquo;الإرهابrsquo;!
في تدشينه لكفاحه ضد الإرهاب هاجم نوري المالكي السعودية وقطر (مكرّراً في ذلك خطاب الرئيس السوري بشار الأسد، شريكه في الكفاح ضد الإرهاب)، وذلك بعد أيّام من إعلان الرياض قرارات مثيرة للجدل غرضها هي أيضا (ويا لها من مفاجأة!) lsquo;مكافحة الإرهابrsquo;، رافضاً الهديّة السياسية التي قدّمتها المملكة له على طبق من ذهب باستهدافها، في الدرجة الأولى، جماعة lsquo;الإخوان المسلمينrsquo; واعتبارها منظمة إرهابية، كما لو كان يقول لها: هذه سلعتنا الرائجة فاتركوها، وهو ما ترك الرياض في وضع لا تحسد عليه سياسياً.
ولعلّ المقصود من هجوم المالكي على دول الخليج العربي هو تأطيره lsquo;الإرهابrsquo; المزعوم في اتجاه التنظيمات السنّية المسلّحة وحدها بدلاً من توزيع lsquo;المجدrsquo; الإرهابي بالقسطاط على تنظيمات الطائفتين الكريمتين فتتسابق lsquo;داعشrsquo; مع lsquo;فيلق بدرrsquo; وrsquo;النصرةrsquo; مع lsquo;عصائب أهل الحقrsquo; وrsquo;الشبابrsquo; مع lsquo;كتائب أبو الفضل العباسprime;hellip; فيحاسب فاعل الجريمة أيّا كانت طائفته، بدل تلبيسها لطائفة واحدة كأنها مجرمة بالجينات، وهو الأمر الذي يفضح معادلة المالكي المبتذلة ويكشف هزال مؤتمره لمكافحة الإرهاب برعاية lsquo;فيلق بدرrsquo;.


العدالة الحقيقية لن تتمّ إلا بكشف الخطّ الطائفيّ الذي تتأسس عليه الدول العربية وتصطفي فيه أعداءها كما تحبّ وتشتهي، وفضح أن شبل الإرهاب ذاك هو من أسد دول الإرهاب والاستبداد والتسلّط، وأنهما وجهان لعملة واحدة.