الياس الديري

للحقيقة، حلوة اللبننة وحلوة جداً أن يقف الرئيس نبيه بري في قاعة الجلسات معلناً انتخاب الرئيس العتيد الذي سيخلف الرئيس ميشال سليمان، واستناداً إلى مبدأ اللبننة.

وباعتزاز وابتسامة عريضة يؤكّد للبنانيين والعالم أجمعين quot;لقد حقّقنا للبنان حُلم اللبننة، وانتخبنا رئيساً صُنِع في لبنانquot;.


ولكن يا ليت، أو يا ريت عمرا ما كانت تعمّر بيت. وبْعُمرها ما استطاعت تلبية رغبة شعب، أو عاشق، أو مُنتظر نتائج سحب اليانصيب أو اللوتو.


بلى، حصلت مرّة على ما ذكرنا سابقاً، وهي كانت. ومِن يومها تراجعت إرادة اللبنانيين وأدوارهم في استحقاقاتهم الرئاسية والحكومية والنيابية إلى خانة الصفر. خرج الانتداب الفرنسي من الباب، فدخَل النفوذ البريطاني من الشبّاك، وفي الليلة ذاتها.


ثم لم تلبث أساطيل النفوذ الأميركي أن هَدَرت بقوة من جهة الجْناح، مُعلنة وصول مشروع أيزنهاور لملء الفراغ في ليلة لا قمر فيها.


ولا تحتاج إلى تعريف وتدوين المرحلة الناصرية الوحدوية التي ظلّلت العالم العربي، ولبنان، من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر...
إلى أن فاجأتنا دويلة ياسر عرفات بحلولها ضَيْفة على شارع الحمراء والشوارع المتفرّعة، مما أدى إلى نشوب حروب الآخرين ونزول quot;الوصايةquot; ضيفاً ثقيلاً على عنجر... ولا تزال آثارها ومفاعيلها تُؤتى quot;ثمارهاquot; حتى الآن.
وما انخراط quot;حزب اللهquot; في الحرب السورية التي حالت دون نأي لبنان بنفسه عنها سوى إحدى ثمار تلك الحقبة، وتلك الوصاية التي كانت تستأثر بصناعة الرئيس اللبناني، والحكومة اللبنانية، والنواب اللبنانيين، والسياسة اللبنانية داخليّاً وعربيّاً وخارجيّاً...
فهل تغيّرت كل تلك الأجواء، وجَلَت الوصايات عن أجواء لبنان، وبات في إمكان هؤلاء اللبنانيين المبَعثرين المُستقتلين على المناصب والمكاسب، أن يُلبننوا استحقاقاً رئاسياً يُراد له أن يؤسّس لمرحلة استقلالية فعلية جديدة؟
لا يزال من المُبكر طرح مثل هذا السؤال، فيما لا يزال جيش quot;حزب اللهquot; يقاتل إلى جانب النظام في سوريا، ولا تزال إيران تُنافس السعوديّة على النفوذ في الخليج وفي quot;الهلال الخصيبquot;، ولا تزال الدول الكبرى ترمي الوصاية على دول تعنيها وترمي الحُرم على دول تطمع فيها...
نعود إلى لبّ الموضوع، وجوهر السؤال الرئاسي الذي يحتل اليوم صدارة الاهتمام في المجالس السياسيّة... مروراً باللبننة، والمظلّة الدوليّة التي أمّنت الأجواء الملائمة للحكومة التوافقيّة.


يبدو أن الرئيس العتيد سيكون بدوره توافقياً quot;لا يثير أزمة جديدةquot;، بحسب آخِر رأي أو تصريح للبطريرك مار بشارة بطرس الراعي الذي يُحدّد فيه الصفات المطلوبة: quot;أن يكون قويّاً بأخلاقه وتجرّده وتاريخه وإيمانه بالدولة اللبنانية، وعلاقاته الإقليمية والعربية والدوليةquot;... لاستعادة دور لبنان ولَمْلَمة البلادquot;.