يوسف الكويليت


السودان خط نار ساخن في عصر البشير، فقد دخل معارك داخلية أحدثت انفصال الجنوب وعداء الجيران، ومركز إيواء لعناصر إرهابية إسلامية، وقاعدة لإيران وإبدال قوة الجيش بالمليشيات التي شكلت أحزمة ردع وتصفيات لكل طرف معارض، وقد اشتهر البشير بمراوغاته، واللعب على تناقضات الداخل وإقصاء جميع الفئات الفاعلة في بلده..

البشير صادق الترابي ودعاه من جديد إلى التعاون بعد قطيعة طويلة وكلتا الشخصيتين تذهب للمناورة بديلاً عن العقل الوطني، لكن تصالح الأضداد قد لا يطوي صفحات التنافر بين مكونات الشعب الواحد، وقد برزت في الأيام السابقة دعوة البشير لحوار وطني يخلق أجواء تصالح عام، وبناءً على سوابق ماضية أفشلت مثل هذا المشروع، لا نظن أن الحوار سيؤدي دور الائتلاف الوطني على توسيع المشاركة وإنهاء احتكار السلطة..

فالحكومة طرف المشكلة وسببها، فهي منْ فجرت الحرب في دارفور، وعلقت أي توصل للحل إلاّ بما يتوافق وتوجهها، والكفاءات المميزة هاجرت إلى الآفاق المفتوحة لأن الفرص الوظيفية لا تعطى إلاّ للمحاسيب والموالين، والاقتصاد يمر بأزمة هائلة وحتى الزراعة تدهورت وكذلك الثروة الحيوانية..

العلاقات مع الدول العربية شبه مقطوعة، فالسودان ليس على وفاق مع مصر بعلاقات أخوية، بل دخل على خط مياه نهر النيل ومباركة سد النهضة الذي تبنيه إثيوبيا، وصار مصدر تسليح عناصر الإرهاب في سيناء، ولا وجود لوضوح في علاقاته مع الدول العربية والأفريقية الأخرى..

أما دولياً فالبشير موضوع على قائمة الملاحقين قضائياً بسبب تجاوزات حقوقية إنسانية في الداخل السوداني، ولذلك فالدعوة لتوافق وطني قد تكون بدافع الشعور بأن اتساع درجة المعارضة الداخلية، والخوف من تطورات تطيح بالنظام سارع البشير إلى فتح قنوات تواصل مع الخصوم، وإنما طرح المشاكل بوضوح يؤدي إلى تنازلات السلطة عن احتكاراتها، أو العودة للأحزاب العائلية التقليدية التي ثبت أنها بلا جدوى لأن الزمن تجاوزها بتطوراته الجديدة وميلاد أجيال تريد أن تتعاطى مع عصرها بإيجابياته لا سلبياته التي طبعت أسلوب الحكومة وعدم تجاوزها زمنها..

السودان غني بموارده وثقله الشعبي، وموقعه المميز، لكن الانقلابات التي قادها العسكر وقتلوا أول نظام ديموقراطي فريد من نوعه، هو الذي قاد السودان إلى حالته الراهنة، بل إن البشير الإضافة الأخرى لدهورة هذا البلد وعزله عن محيطه، وعملية أن يوجد تآلف وطني على قاعدة المشاركة الفعلية لا نعتقد أن البشير مرشح أن يقودها بتعاطيه سياسة التلاعب على التناقضات واستغلالها لمد نفوذه، وليس لوضع خطة عمل وطنية تجمع كل الأطياف بدون فرز حزبي أو مذهبي وقبلي.