مصطفى زين

الحروب اللبنانية ما زالت مستمرة. رموزها الذين أوغلوا فيها ما زالوا يتقاتلون. بعضهم غيّر تحالفاته الداخلية. بعضهم غير راعيه الخارجي. ثالث انتقل، عن قناعة، من اليسار إلى اليمين. الذين وصلوا إلى الحكم في عهد الوصاية السورية أصبحوا اشد أعداء دمشق. لكن أحداً من هؤلاء لم يغيّر موقفه بناء على نقد ذاتي، أو اعتراف بالخطأ. ولم يعتذر عن الجرائم التي ارتكبها. الجميع أوغل في تبرير ما ارتكب، مرة باسم الدفاع عن الطائفة، ومرة باسم حرية وديموقراطية الكيان. حتى الذين ارتموا في أحضان إسرائيل وساعدوها في احتلال البلد لم يتراجعوا ولم يعتذروا عن فعلتهم. لديهم تبريراتهم التي تبيح التعامل مع الشيطان للدفاع عن الذات. أي الوقوع تحت الاحتلال للتغلب على المواطن الآخر. هذه laquo;القيمةraquo; لا تقتصر على فريق سياسي دون آخر. فليس تاريخ لبنان منذ نشوئه حتى اليوم سوى تاريخ علاقات جماعاته (طوائفه) الخارجية. حتى أن إدوار حنين، وهو مفكر laquo;الجبهة اللبنانيةraquo; أيام الحرب في السبعينات، كان يقول: laquo;لبنان كلما استقل اهتز وكلما استتبع اعتزraquo;. الاستتباع هي الكلمة المفتاح لأي دارس للتاريخ اللبناني، منذ ما قبل الاستقلال عن فرنسا حتى اليوم. وقول إدوار حنين الذي كان ضليعاً جداً بالعربية ليس شطحاً ولا مجرد سجع. بل هو تعبير عن شعور فئة كبيرة من اللبنانيين تخاف الاستقلال ولا ترى فيه laquo;عزةraquo;. بل غلبة طائفة على أخرى. والحروب التي وقودها اللبنانيون، جميع اللبنانيين، هي انعكاس للأزمات والخلافات العربية، ولصراع المحاور الدولية والإقليمية. أما النأي بالنفس فليس سوى غطاء شفاف لمزيد من الانخراط في هذا الصراع. أو هو مثل القول إن رئيس الجمهورية laquo;صنع في لبنانraquo;.

لا أحد يشارك في ما، ومن، يصنع في لبنان عدا الدول الإقليمية والعالمية. وعلى المرشح للرئاسة أن يزورها كلها. لطمأنتها إلى أن مصالحها محفوظة في عهده. وإلى أنه لن يضر بتلك المصالح. ولن نستعيد ماضي الرؤساء كلهم. بل نكتفي بمواقف بعض المرشحين الآن: ميشال عون الذي كان إلى الأمس القريب حاملاً لواء المقاومة، يعادي من يعاديها، بدأ يغازل خصومها، ويعقد معهم اتفاقات لم تزل طي الكتمان. فبعدما كان يهاجم سعد الحريري وحلفاءه من دون مناسبة، أصبح الحج إلى حيث هو مطلبه الأساسي.

أما بطرس حرب، وهو من الرابع عشر من آذار، فليس في تصريحاته ما يوحي باستمراره على العداء لـ laquo;حزب اللهraquo;، ولم يعد يطالب بسحب سلاحه فوراً، بل يعطيه فرصة للتخلي عن السلاح بالحوار وكجزء من خطة دفاعية شاملة.

حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لا مشكلة لديه، فهو بحكم منصبه صديق الجميع، دولاً وأحزاباً. لكن عليه اتخاذ مواقف أخرى كي يصل إلى الرئاسة.

قائد الجيش جان قهوجي، يثبت من خلال توليه الملف الأمني أنه منفذ جيد للتوافق. لم يقدم على تنفيذ خطته في طرابلس والبقاع إلا بعد تأمين هذا التوافق الداخلي والإقليمي الذي رفع الغطاء عن المسلحين وعن دعاة الفتنة المذهبية. وبعدما سيطر الجيش السوري على كل المنطقة الحدودية، وزالت مهمة المكلفين دعم laquo;الثورةraquo;.

يبقى سمير جعجع: استهجن أكثر من نصف اللبنانيين ترشيحه للرئاسة واعتبروه laquo;مزحة ثقيلةraquo;. الرجل الذي خرج من السجن بعفو، بعدما دين باغتيال رئيس الوزراء السابق رشيد كرامي وداني شمعون لم يعرف المهادنة منذ خروجه. ولم يعترف، أو يعد النظر بتحالفه المعروف مع إسرائيل. بل اعتبر نفسه منتصراً، على رغم هزيمة مشروعه. وهو يتصرف على هذا الأساس، بغطاء داخلي وخارجي. كأن الحرب الأهلية ما زالت في بداياتها.

الحروب اللبنانية مستمرة والتدخلات الخارجية مستمرة. لذا من حق جعجع أن يترشح فهو أحد رموزها البارزين.