محمد آل الشيخ


قَبّلَ laquo;حسن البناraquo; مؤسس جماعة الإخوان في مصر يد الملك عبدالعزيز - طيّب الله ثراه- عند لقائه به في موسم حج عام 1936م ثم طلب منه أن يفتح فرعاً لجماعته في المملكة، فأجابه إجابة الفطن الحكيم وكأنه يقرأ مآلات وأهداف ونوايا هذه الحركة المتأسلمة: (كلنا إخوان وكلنا مسلمون) ولم يسمح له؛ غير أنه لم ييأس؛ فغيّر إستراتيجيته هنا عنها في بلده مصر، واتخذ طريقاً مختلفاً عن طريقهم في مصر؛ فلا يمكن أن يتخذ من (تطبيق الشريعة) ذريعة هنا والمحاكم الشرعية تلقاك أينما وجهت رحالك في حواضر المملكة وأريافها. من حينها عرف مؤسس الجماعة أن ذريعة (تطبيق شرع الله) يُمكن أن تجذب لحركته الأتباع والمؤيّدين في بلد لا تتخذ من الشريعة منهج حياة ومرجعاً لقوانينها، أما في المملكة فشرعيتها وسر بقائها وقوتها وتجذرها تنطلق منذ ما يقارب الثلاثمائة عام من أن الشريعة منهجاً في كل مناحي الحياة، وأهلها قد يختلفون في أمور كثيرة، لكنهم يتفقون حُكاماً ومحكومين على أن شرع الله هو المرجع والفيصل والحاكم في أمور حياتهم.

إذاً فما يصلح هناك في مصر لا يصلح هنا في السعودية، والوسيلة للوصول إلى السلطة في مصر حيث نشأت هذه الجماعة المتأسلمة لن تكون صالحة لإيصالهم إليها في المملكة . اتخذ - على ما يبدو - laquo;البناraquo; ومعه أساطين الحركة لعمل الجماعة في المملكة قرارين كانت ولا تزال لهم بمثابة الإستراتيجية:

الأول: المنهج السري الخفي وغير المعلن لعمل التنظيم في المملكة.

والقرار الثاني: الدخول إلى النسيج الاجتماعي السعودي من خلال محاضن التعليم والسيطرة على مؤسسات العمل الدعوي، تحت شعار نحن أقدر على مواكبة العصر منكم أيها (الوهابيون)، فدعوا التعليم والدعوة لنا، وأنتم فقط تعلّموا منا كيف نذود عن حياض الدين ومواجهة أعدائه بما يتناسب مع العصر.

للأسف انطلت هذه اللعبة علينا، وفتحنا لهم الأبواب على مصاريعها؛ ولأن مسائل العقيدة بالنسبة لنا قضية (توقيفية) لا تقبل الاجتهاد أو الاختلاف، ولأن أغلب من جاؤوا للتعليم من جماعة الإخوان من مصر أو من دول الشمال العربي كانوا أشعريي المذهب وبعضهم متصوّفة، فقد اكتفى المسؤولون عن التعليم في البداية بالحذر منهم في تدريس العقيدة، فأبعدوهم عنها، بينما تم تمكينهم من تدريس العلوم الأخرى. غير أن هذا الحذر لم يستمر طويلاً، فاقتحموا حتى تدريس العقيدة، عندما ألف واحدٌ من أساطينهم - (محمد قطب) - مقررات التوحيد للمرحلة الثانوية في منتصف السبعينات من القرن الماضي، رغم أن جماعة الإخوان - كما هو معروف - لا تحفل كثيراً بالانحرافات العقدية، فهم مسيّسون حتى النخاع، وهدفهم السياسة والقفز إلى السلطة بأي ثمن أولاً وأخيراً، لذلك عملوا على إلحاق الشباب بالفكر السياسي لجماعة الإخوان، وهذا يعتمد كثيراً على (التعليم اللا صفي)، وانتهاز الفرصة من خلال هذه المناشط لأدلجة النشء دون أن يشعروا أنهم يتأدلجون. ولأن هدف جماعة الإخوان ليس التعليم ولا جودته وإنما إلحاق أكبر قدر من الطلاب بالثقافة الإخوانية وبث قيم الجماعة وتجنيدهم لخدمة الحركة الأم ورموزها ومفاهيمها السياسية من خلال المدارس، تدرّجوا في السيطرة على مؤسسات التعليم شيئاً فشيئاً، حتى أصبح روادهم الأوائل، ومن ثم يرقاتهم السعوديون التي أفرزوها فيما بعد، هي التي لها دون سواها الأمر والنهي والتعيين والفصل والرفع والخفض؛ والذريعة أو (الرماد) الذي كانوا يذرونه في عيون الناس كبارهم وصغارهم على السواء: حتى نحمي العقيدة في بلد العقيدة، بينما هم ابتداء بسيدهم (حسن البنا) ومروراً بسيد قطب، وانتهاء بأصغر مجند من مجنديهم في المملكة آخر من يحفل بقضايا العقيدة والتوحيد؛ حتى أن واحداً من مشاهير يرقاتهم السعوديين في تويتر عندما ناقشه أحدهم في قضية تمس العقيدة قال بصراحة ودون أي مبالاة: (تراكم حومتوا كبودنا بالتوحيد)، ولم يحفل بهذه الطامة أحد ممن (يدّعون) أنهم يذودون عن الإسلام؛ فالقضايا العقدية وكما علمه معلموه الاخونج في محاضن التعليم أصبحت (تحوم الكبد)، وعلى ذلك قس!

لنا عودة يوم الجمعة بإذن الله إلى ذات الموضوع لتكملته.

إلى اللقاء.